التصنيفات » مقالات سياسية

حوار مع أريس بشارة | دور الصناعات التكنولوجيّة في المشروع الكولونيالي الإسرائيلي

حوار مع أريس بشارة | دور الصناعات التكنولوجيّة في المشروع الكولونيالي الإسرائيلي

قالت الباحثة في قطاع الهايتك الإسرائيلي، أريس بشارة، إن قطاع "الهايتك" في إسرائيل يُوَظَّف كأداة اقتصادية واستعمارية وسياسية، حيث تستثمر إسرائيل تفوّقها التكنولوجي في بناء علاقات دبلوماسية وتوسيع نفوذها الإقليمي والدولي، لا سيما في مجال الأمن السيبراني.
سليمان أبو ارشيد
تحرير: موقع عرب 48 
30/11/2025


في فصلٍ بعنوان "الصناعات التكنولوجيّة في إسرائيل" من كتاب "دليل إسرائيل 2025"، الصادر عن مؤسّسة الدراسات الفلسطينية، تتناول الباحثة في قطاع الهايتك الإسرائيلي، أريس بشارة، ملامح نشأة وتطوّر الصناعات التكنولوجيّة الإسرائيلية وارتباطها بالمشروع الكولونيالي، بوصفها من أهم مُحَرّكات الاقتصاد الإسرائيلي.
وتشمل هذه الصناعات إنتاج وتطوير تقنيّات متقدّمة تعتمد على البحث العلمي والابتكار، مثل الصناعات الأمنيّة والعسكريّة (أنظمة الدفاع الصاروخي، الطائرات بدون طيّار، تقنيّات المراقبة والاستخبارات)، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والإلكترونيّات الدقيقة، والتقنيّات الحيويّة والطبيّة، وصناعات الفضاء، والذكاء الاصطناعي.
وتعود نشأة هذه الصناعات، كما تقول الباحثة، إلى خمسينيّات القرن الماضي، حين ركّزت إسرائيل على البحث العلمي وتنمية الموارد البشرية، بسبب نقص الموارد الطبيعية وخشية المقاطعة العربية.
وتُشير بشارة إلى أن هذه الجهود تكثّفت مع ازدياد استخدام الحاسوب والإنترنت في الثمانينيّات والتسعينيّات، إلى جانب موجات الهجرة الواسعة للمُهندسين من الاتحاد السوفياتي السابق.
وقد شهِدت السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في توظيف التكنولوجيا كأداة استراتيجيّة لتعزيز السياسات الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية، ما أضفى، برأي الباحثة بشارة، بُعدًا رقميًا وتكنولوجيًا جديدًا على مشروع الاستعمار الاستيطاني، إذ لم تعُد التكنولوجيا مجرّد عنصر تنموي، بل تحوّلت إلى وسيلة استعمارية تُستَخدَم لتثبيت الوجود الاستيطاني وإعادة تشكيل الجغرافيا والسيطرة على الفلسطينيين.
وتخدم هذه الصناعات البُنيَة الأمنيّة للمشروع الاستيطاني، من خلال تبنّي أنظمة مُراقَبة متقدّمة تشمل كاميرات ذكيّة، وأنظمة إنذار تعتمد على خوارزميّات الذكاء الاصطناعي، وأدوات لرصد التحرّكات الفلسطينية ومُراقَبة شبكات الاتصال. كما يجري تعزيز البنية السيبرانيّة لحماية الفضاء الرقمي للاستيطان من أيّ اختراقات مُحتَملة. وبهذا، تتحوّل الحكومة الإسرائيلية إلى فاعل يجمع بين أدوار تكنولوجيّة، أمنيّة، واستيطانيّة في آنٍ واحد، حيث تنسجم أدوات الرقابة الرقميّة مع سياسات السيطرة الحضَريّة والجغرافيّة التي ينتهجها المشروع الكولونيالي.
وفي إشارة إلى دور الشراكات الدولية في تطوير الصناعات التكنولوجية في قطاع "الهايتك" الإسرائيلي، ترى الباحثة بشارة أنها تُعَدّ من أبرز العوامل المُحَفِّزة، إذ تُوَفّر بيئة مواتية للبحث والابتكار، وتُسهِم في تعزيز رأس المال البشري والاقتصادي. ويُوَظَّف قطاع "الهايتك" في إسرائيل كأداة اقتصادية واستعمارية وسياسية، حيث تستثمر إسرائيل تفوّقها التكنولوجي في بناء علاقات دبلوماسية وتوسيع نفوذها الإقليمي والدولي، لا سيما في مجال الأمن السيبراني.
كما تسعى إلى تحقيق ما يُعرَف بـ"التطبيع التكنولوجي" مع بعض الدول العربية، لتوسيع نفوذها دون إجراء أيّ تغيير في استراتيجيّاتها السياسيّة أو الأمنيّة.
وتخلص الورقة إلى أن الصناعات التكنولوجية الإسرائيلية تحوّلت إلى أداة استعماريّة ودمويّة مركزيّة في هندَسة الحروب وتكريس الهيمنة العسكرية، إذ لعبت هذه التكنولوجيا دورًا حاسمًا في توجيه العمليات العسكرية ضدّ غزة ولبنان، من خلال تقديم معلومات استخبارية "دقيقة" وتسهيل تنفيذ ضربات "جراحيّة" تُدار عن بُعد، من دون الحاجة إلى وجود جنود فعليين على الأرض.
وتَلفت الباحثة بشارة إلى أن خلف هذه "الدقّة" المزعومة يتوارى وجه آخر أكثر ظُلمَة: وجه التكنولوجيا كوسيلة لقوننة العنف، وتبرير الانتهاكات، وإعادة إنتاج أشكال استعمارية جديدة مُغَلّفة بخوارزميّات الذكاء الاصطناعي.
ومع اتساع استخدام الذكاء الاصطناعي، كما تقول الباحثة، بات من السهل تصنيف الأفراد واستهدافهم بناءً على مؤشّرات رقميّة مجرّدة تُخفي خَلْفها مَنطقًا استعماريًا؛ إلّا أنّ الأخطر من ذلك، برأيها، أن هذا التقدُّم التكنولوجي لا يُوَظَّف فقط في إطار الحرب، بل يُدمَج بشكل مُمَنهَج في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي. فمن خلال تصدير هذه التقنيّات إلى شركاء غربيين وعرب، وتمريرها ضمن صفقات أمنيّة وتجاريّة، تُسهِم إسرائيل في نقل صناعاتها التكنولوجيّة من داخل حدودها الموهومة إلى الفضاء الإقليمي الأوسع، مُكَرِّسة بذلك تطبيعًا تكنولوجيًا يخدم المنظومة الاستعمارية بفعاليّة.
ولإلقاء المزيد من الضوء على بعض جوانب الموضوع، أجرى "عرب 48" هذا الحوار مع الباحثة أريس بشارة.
"عرب 48": يمكن القول إن حرب الإبادة على غزة كشفت عن تفوّق إسرائيل كدولة صناعات تكنولوجيّة على مستويين: الأوّل، استخدام التقنيّات العسكرية المتطوّرة والتكنولوجيا فائقة الدقّة والذكاء الاصطناعي في حرب الإبادة؛ والثاني، بروز قطاع "الهايتك" كركيزة أساسية للاقتصاد الإسرائيلي، ممّا مَكّن هذا الاقتصاد من الصمود في أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ تأسيسها. ما تعليقك؟
بشارة: في الواقع، كان التفوّق العسكري والهيمنة الإسرائيلية عبر الأسلحة التقليدية وأنظمة الرقابة قائماً ومعروفاً قبل السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023. لكن ما حدَث بعد هذا التاريخ مثّل نقلة نوعيّة إلى مستوى أعمق وأكثر خطورة، بسبب الاستخدام الواسع للتكنولوجيا المتقدّمة والأسلحة الدقيقة، والدخول الكثيف في الفضاء الرّقمي.
وفي هذا السياق، يلفت الانتباه التقرير الذي أصدَرته المقرّرة الأمميّة فرانشيسكا ألبانيز، قبل نحو شهر، تحت عنوان "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة"، والذي أثبت أن كلّ الأبحاث التي تناولت قبل السابع من أكتوبر تواطؤ القطاع التكنولوجي الخاص، لا سيما شركات الهايتك العالميّة مثل مايكروسوفت، غوغل، وأمازون، كانت صحيحة. جميع الصفقات التي أُبرِمت قبل السابع من أكتوبر، واستخدام الجيش الإسرائيلي ما يُعرَف بـ"خدمة الغيمة" لتخزين البيانات المتعلّقة بالفلسطينيين، والتي تُطَوّرها شركة مايكروسوفت، ظهَرت ترجمتها العمليّة خلال حرب الإبادة على الأرض.
"عرب 48": إذا أردنا العودة إلى نقطة البداية، هل يمكن القول إن إسرائيل استخدمت الصناعات التكنولوجيّة بوعي منذ تأسيسها لتثبيت مشروعها الاستعماري؟
بشارة: صحيح؛ وهذا ما يفسّر المَنشأ العسكري لهذه الصناعات، والتشابك البنيوي بين المدني والعسكري على جميع المستويات؛ إذ تعتمد إسرائيل نموذج الاستخدام المُزدَوج Dual-use 
الذي يُتيح انتقال التقنيّات من المختبرات العسكرية إلى الأسواق المدنية، والعكس، ما يؤدّي إلى تداخل في التمويل والابتكار، وحتى في الكوادر البشرية، التي تبدأ غالباً مسيرتها في الوحدات العسكرية التكنولوجيّة، قبل الانتقال إلى الشركات المدنيّة.
وعلى أرض الواقع، تستخدم إسرائيل تكنولوجيا رقابة مثل "الذئب الأحمر" و"الذئب الأزرق"، وغيرها من التقنيّات المُطَبّقة بشكل خاص في الخليل والقدس. واليوم، دخل الذكاء الاصطناعي على الخط بقوّة. فبعدما كان يُبحَث في كيفيّة تسخيره، بات اليوم حاضراً ومُهيمِناً في الفضاء الرقمي؛ وقد نجحت إسرائيل في توظيفه عبر تقنيّات ذكاء اصطناعي مثل "لافندر" و"غوسيل"، والتي تمّ تطويرها في وحدتي 8200 و81 التابعتين للجيش الإسرائيلي.
"عرب 48": يلعب الجيش، كما أشرتِ، دورًا أساسيًا في تطوير هذه الصناعات، وخاصّة وحدة 8200 والصناعات العسكرية؟
بشارة: يقوم الجيش الإسرائيلي بدور محوريّ في تشكيل وتدريب النخب التكنولوجيّة، إذ يُشَكّل ما يمكن وصفه بـ"دفيئة" للتدريب والممارسة العمليّة، وذلك من خلال وحدات الاستخبارات والسايبر، وعلى رأسها وحدة 8200. وتُعَدّ هذه الوحدة من أبرز وحدات الاستخبارات العسكرية، ليس فقط بسبب إنتاجها الأمني والعسكري، بل أيضًا باعتبارها منصّة استراتيجيّة لإعداد كوادر تكنولوجيّة متقدّمة، حيث يتلقّى المُجَنّدون فيها تدريبًا مكثّفًا في مجالات متقدّمة، مثل الأمن السيبراني، وتحليل البيانات، وتطوير البرمجيّات؛ وهو ما يؤهّلهم للانتقال مباشرة بعد الخدمة العسكرية إلى أدوار قياديّة في القطاع التكنولوجي المدني، لا سيما في الشركات الناشئة Startups
كما أن هناك وحدات داخل شركات الهايتك العالمية، مثل مايكروسوفت، تعمل بشكل مباشر مع الجيش الإسرائيلي، بل وتتشاور معه بشأن احتياجاته، مثل توسيع نطاق تخزين البيانات وغيرها من الأمور التقنيّة.
"عرب 48": قُلتِ إن إسرائيل دخلت هذا المجال مُبكِرًا بدافع حاجاتها الأمنية والاستعمارية. ما العوامل التي ساعدتها على إحداث هذا الاختراق؟
بشارة: النموذج الإسرائيلي في هذا المجال يُشبِه إلى حدٍ بعيدٍ النموذج الأميركي؛ فكلاهما بدأ من داخل المؤسّسة العسكرية، وكانت العلاقة بينهما وثيقة جدًا، وحظِي المشروع بتمويل فعلي، ثم تحوّل لاحقًا إلى الصناعات المدنيّة أيضًا، مع بقاء الطابع المُزدوَج هو السّمة المميّزة لهما.
وتدريجيًا، بدأت السياسات النيوليبرالية بالهيمنة، إلى جانب التوجّه نحو استثمار هذه الصناعات اقتصاديًا. وبدأت الصناعات الإسرائيلية تتطوّر في هذا السياق، مع تعميق فكرة تحويل إسرائيل إلى "أمّة الستارت أب"، أو دولة الشركات الناشئة، التي تستثمر في العقول البشرية والابتكار لتطوير صناعات تكنولوجيّة عسكرية ومدنية، وتصديرها إلى الخارج. وقد حظِي هذا المشروع باهتمام كبير لأنه يخدم صورة إسرائيل في العالم كدولة رائدة في الابتكار.
"عرب 48": هل يخدم هذا التفوّق خرافة "العقل اليهودي"؟
بشارة: نعم؛ لديهم نموذج لهذا "العقل اليهودي" يُصَوَّر على أنه يجب أن يكون "صهيونيًا أبيض"، شبيهًا بالأوروبي، من أجل جذب وتشجيع الاستثمار الأوروبي. فهذه العوامل، مثل تَشابه البيئة ولون البشرة، تلعب دورًا كبيرًا، إلى جانب التبعيّة الاقتصاديّة وتشابك المصالح. كلّ ذلك جعَل السوق الإسرائيلي سوقًا قويًا وجاذبًا للاستثمار، وحَوّل هذه الصناعات إلى مُحَرّك أساسي لعجَلة الاقتصاد الإسرائيلي. برأيي، لولا هذه الصناعات، لكان هذا الاقتصاد قد انهار، وما كان ليصمد في وجه حرب مستمرّة منذ عامَيْن، وعلى عدّة جبهات.
"عرب 48": تحدّثتِ عن تكامل بين الجيش، والأكاديميا، والصناعات التكنولوجيّة؟
بشارة: هذا المثلّث كان قائمًا دائمًا. فالجامعات الإسرائيلية تؤدّي دورًا مهمًا في دعم هذا النموذج، إذ تُشَكّل "حاضنة" للبحث العلمي، والتطوير التقني، وتدريب الكوادر البشرية. فقد عملت المؤسّسات الأكاديميّة على توظيف مختبراتها وتخصّصاتها لصالح أنظمة الجيش، وتكريس الرؤية القومية الصهيونية، من خلال إنتاج أدوات معرفيّة لبلورة مشروع الدولة منذ خمسينيّات القرن الماضي. وإلى جانب الإنتاج المعرفي، تُعَدّ الجامعات أيضًا مراكز لتطوير التقنيّات العسكرية، مثل الأسلحة والتكنولوجيا الأمنيّة والرقميّة.
ولم يقتصر دور الباحثين على إنتاج المعرفة، بل امتدّ إلى تطوير تطبيقات عمليّة لصالح الجيش، وهو ما ساهم في نشوء شركات مثل "رافائيل" و"إلبيت سيستمز" ضمن شراكات أكاديمية - عسكرية. وقد أصبحت هذه الشركات من أبرز مُصَدّري الأسلحة عالميًا، إذ تُختَبَر مُنتجاتها ميدانيًا على الفلسطينيين.
وفقط بالأمس، شاهدتُ إعلانًا مشتركًا لجامعة تل أبيب بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، نُشِرَ على صفحة الجامعة في "فيسبوك"، حول "هاكاثون" لبرنامج يُسَمّى "طوارئ في أرض المعركة"، يتضمّن دعوة مفتوحة للطلّاب لتطوير أجهزة قتاليّة تستجيب لتحدّيات نشأت خلال الحرب على غزة.
تُرى كم أن الأمر مكشوف وواضح. فشركة "إلبيت" للصناعات العسكرية تتعاون مع جامعة تل أبيب في برنامج عسكري؛ وهناك برامج مشتركة أخرى مع الجيش والصناعات العسكرية في معاهد مختلفة لتطوير تكنولوجيا عسكرية. وهذا أمر مكشوف، ومقبول، بل ومُحَبّذ في السياق الإسرائيلي.
"عرب 48": في حرب الإبادة على غزة، برَز بشكل واضح دور التكنولوجيا العسكرية وفاعليّتها؟
بشارة: هناك أسلحة تقليديّة مثل الدبّابة والمدفعيّة وغيرها؛ لكن الذكاء الاصطناعي وكلّ هذه الأسلحة ذات التقنيّات الحديثة تَعفيكَ من نشر جنود على الأرض وتَجعل قتالك أكثر تطوّرًا. إلى جانب ذلك، تستعين إسرائيل بجهات خارجية أوروبية أو أميركية تساعدها على تطوير تلك الأجهزة تحت غطاء الابتكار التكنولوجي، ممّا يسمح لها بالاستفادة منها واستخدامها دون أيّة مشكلة أخلاقيّة.
إنها أسلحة "نظيفة"؛ ليست كالمُدَرّعة أو الدبّابة. فالمُبَرمِج هو من يعمل على هذه البرامج، ولا تقع عليه مسؤولية عدد الأشخاص الذين قد يُقتَلون بسبب تطويره برنامجًا مثل "لافندر"، على سبيل المثال؛ فهو فقط قام ببرمجته وتسليمه لوحدة القتال الإسرائيلية، وهم أحرار في كيفيّة استخدامه.
هذه التقنيّة تستطيع من خلالها إصدار أمر بفحص ما إذا كان هناك مُقاتِل من حماس موجود في بناية معيّنة، ثم يمكنني إلغاؤه (قتله) بكبسة زر. إنها تقنيّات لا ترى الإنسان، ومن يُطَوّرها ليس لديه أيّة مشكلة أخلاقية في تطويرها، وهذا هو السؤال الجوهري.
"عرب 48": ما يجعل إسرائيل تتمتّع بفرادة في هذا المجال هو أنها لا تملك حدودًا أو قيودًا أخلاقيّة؛ هل هذا صحيح؟
بشارة: صحيح، ليس لديها حدود أو ضوابط واضحة. والمؤسف أن الشركات المدنيّة تساعدها وتمنحها تفويضًا بجمع بيانات عن الفلسطينيين وتطوير تقنيّات مُراقَبة وتصنّت. بمعنى أن البرامج والتطبيقات التي تُعتَبر مُحَرّمة دوليًا تستطيع إسرائيل إنتاجها دون أيّ قيود أو اعتبار للأخلاقيّات؛ وبذلك تنفَرد بها عالميًا، ممّا يفتح أمامها سوقًا كبيرة.
العودة إلى تقرير فرانشيسكا ألبانيز توضِح كيف أصبحت فلسطين سجينة لهذه التقنيّات. والصحيح أن فلسطين ليست وحدها، بل إن العالم كلّه أصبح سجيناً بفضل ذلك. حتى أن نتنياهو تحدّث في أحد خطاباته قائلاً: "نحن نُسيطر على هواتفكم"، ولم يلتفت أحد إلى كلامه حينها.
وعمليّة تفجير "البيجر" التي نُفّذت ضدّ عناصر حزب الله أثبتت أن إسرائيل تستخدم دولًا في شرق آسيا وشرق أوروبا، وتخترع شركات وأشخاصًا يعملون لصالحها بطريقة غير مباشرة، لأنها لا تملك قوانين تُراعي الأخلاقيّات كما هو الحال في دول أوروبا الغربية.
"عرب 48": هل تقوم إسرائيل فعلاً بتصدير برامج التجسّس مثل "بيغاسوس" وغيرها إلى هذه الدول ذات الأنظمة المُتَداعية والاستبداديّة؟
بشارة: نعم؛ بالإضافة إلى ذلك، دخلت الإمارات والسعودية وكلّ تلك الدول التي لها مصلحة في هذا المجال على الخط، ممّا يُشير إلى أن هذا التقدّم التكنولوجي لا يُوَظَّف فقط في إطار الحرب، بل يُدمَج بشكل مُمَنهَج في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي. فمن خلال تصدير هذه التقنيّات إلى شركاء غربيين وعرب، وتمريرها ضمن صفقات أمنيّة وتجاريّة، تساهم إسرائيل في نقل صناعاتها التكنولوجيّة من داخل حدودها الموهومة إلى الفضاء الإقليمي الأوسع، مُكَرّسة بذلك تطبيعاً تكنولوجياً يخدم المنظومة الاستعماريّة بفعاليّة.
"عرب 48": قبل أن أختم هذا الحوار، لفَت نظَري ما ذَكرتِه عن قيام الإمارات بتعويض إسرائيل عن انسحاب جزء من رأس المال الغربي خلال الحرب؟
بشارة: صحيح؛ فقد أفادت شركة IVC 
للأبحاث
 بانخفاض الاستثمار في الشركات الناشئة الإسرائيلية بنسبة 15% بسبب حرب الإبادة على غزة، وأشارت إلى أن هذا التراجع كان من الممكن أن يكون أكبر لولا التدفّقات المالية المكثّفة من الإمارات منذ بداية الأحداث الدامية، وخاصّة في قطاع التكنولوجيا.
واستناداً إلى تصريحات أحد خُبراء الهايتك الإسرائيليين، هناك انخفاض في الاستثمارات من الولايات المتحدة، في مقابل زيادة ملحوظة في الاستثمارات الإماراتية، بما يشمل صناديق رأس المال، والبنوك، وصناديق النمو والأسهم الخاصّة؛ بالإضافة إلى شراكات سيبرانيّة وتسويقيّة مباشرة.
وفي النهاية، أودّ أن أؤكّد ما خَتَمتُ به ورقتي، من أن الصناعات التكنولوجيّة الإسرائيلية ليست مجرّد قطاع اقتصادي متطوّر، بل هي منظومة أمنيّة – سياسيّة - إيديولوجيّة مُتَشابكة. فهي من جهة تُعَدّ مصدراً رئيسياً للنموّ والابتكار؛ ومن جهة أخرى تساهم في ترسيخ المشروع الاستعماري الصهيوني وتعزيز التفوّق العسكري والأمني في المنطقة.
 
*أريس بشارة: باحثة في مجال عِلم الاجتماع السياسي والاقتصادي وزميلة بحث في جامعة
 Scuola Normale Superiore di Pisa
 إيطاليا.

 

2025-12-05 14:27:41 | 35 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية