إعدام الأسرى الفلسطينيين.. لماذا الآن؟
عبدالله السناوي
24/11/2025
موقع 180 بوست
في ظلّ شبه صمت عربي مُطبق، مرّت القراءة الأولى لمشروع قانون «إعدام الأسرى الفلسطينيين» في الكنيست الإسرائيلي. لا احتجاجات مسموعة ولا اعتراضات مؤثّرة. لم تكن هذه المرّة هي الأولى التي يُصَوّت فيها الكنيست بالقراءة الأولى على مشروع قانون لإعدام الأسرى الفلسطينيين؛ فقد طُرِح المشروع نفسه مرّات عديدة سابقة مع إدخال تعديلات عليه في كلّ مرّة دون أن تمضي الإجراءات إلى آخرها، لفداحة التشريع وخشية ردّات الفعل عليه في المجتمع الدولي. الإلحاح على استصداره مرّة بعد أخرى لافتٌ بذاته. الظروف السياسية هذه المرّة أكثر تعقيدًا، لكنه قد يُصَدّق عليه في نهاية المطاف. بأيّ قياس سياسي وإنساني وقانوني، فإنّه تطوّر خطير يُهَدّد حياة آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بالمُخالَفة لأيّ قواعد عدالة يعرفها العالَم. حسب مشروع القانون، فإنّ القضاة مُجبَرون على الحُكم بإعدام «كلّ فلسطيني متّهم بقتل إسرائيلي يهودي بسبب هويّته». بافتراض العكس، فلا تهمة ولا إعدام! كان ذلك داعيًا إلى وصف مشروع القانون بـ «العنصريّة». ثم كان النصّ على طريقة الإعدام بالحقن السامّة تحت إشراف طبّي داعيًا إلى اعتراض ممثّل نقابة الأطبّاء، الذي جرى طرده من اجتماع بالكنيست. لم يكن اعتراضه على مبدأ الإعدام، بل على إقحام الأطبّاء في الشراكة بجريمة القتل.
تَضارَبت المواقف في الدولة العبريّة بين وصف مشروع القانون بأنه «أخلاقي بصورة غير مسبوقة»، وبين إدانات حقوقيّة مُتَواتِرة قالت إنه يضع إسرائيل في أزمة جديدة مع المجتمع الدولي. لم يكن الوزير المتطرّف «إيتمار بن غفير» وحده؛ فأحزاب الائتلاف الحكومي، وعلى رأسها كتلة الليكود برئاسة رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»، وقفَت في الصفّ نفسه. كان لافتًا للانتباه الرّبط بين إقرار القانون والانتخابات المقبلة؛ تعهّدت الحكومة بالانتهاء منه قبل الاستحقاق الانتخابي، كأنّه شهادة لصالح سياساتها وأشخاصها. ما يَهُمّ «نتنياهو» قبل أيّ شيء آخر هو مستقبله السياسي، مدعومًا من اليمين المتطرّف قبل أيّ انتخابات قد تُجرى مبكرًا.
الصخب إسرائيلي والصمت عربي
أخطَر ما في مشروع القانون أنه يضع آلاف الأسرى والمعتقلين بعد أحداث السابع من أكتوبر (2023) في نطاق الإعدام المُحتمَل خلال تسعين يومًا من الحُكم عليهم. أوضاع الأسرى داخل السجون الإسرائيلية مُرَوّعة إلى حدود غير مُتَصَوّرة: تعذيب منهجي بكلّ الطُرُق والوسائل، وحرمان من الحدّ الأدنى للغذاء. ما حدَث فى مُعسكر «سدي تيمان» أبشع من أن يُكتَب على ورق، حيث انتُهِكَت أجساد وحُرُمات، بُثّت في مقاطع فيديو نشرَتها القناة (12) الإسرائيلية. إعدام الأسرى ربما يكون أقلّ وطأة ممّا يتعرّضون له دون غضب عربي، أو شبه غضب، ودون احتجاج، أو شبه احتجاج.
يَستَلفِت الانتباه في تصويت الكنيست هذه المرّة، كما في مرّات سابقة، غياب كتل المعارضة الإسرائيلية الرئيسية. لم تكن تلك مُصادَفة. إنه فعل مقصود لإنفاذ هذا القانون العنصري المُشين دون تحمّل مسئوليّته. تُرِكَت المهمّة لـ«بن غفير»، كأنّه قانونه الشخصي، فيما هو يَدمَغ الدولة العبريّة كلّها بأسوأ الأوصاف أمام المجتمع الدولي والضمير الإنساني.
«أنت رجلٌ له سجلٌ حافلٌ في سفك الدماء الإسرائيلية واليهودية يا وزير الدغدغة والبقلاوة!»؛ هكذا خاطب أحد أعضاء الكنيست الغاضبين «بن غفير» في نقاشات ساخنة داخل لجنة الأمن القومي، قاصدًا أنه يعمل على دغدغة مشاعر اليمين المتطرّف، وأخذ صورة «من يُدافِع عنهم» بغضّ النظر عن أيّ اعتبار أو قيمة إنسانيّة. إنّنا أمام حالة محمومة لرغبة الانتقام من الفلسطينيين كلّهم، مُقاومين ومَدنيين على السواء، بذريعة أحداث السابع من أكتوبر، التي أفضَت إلى انكشاف إسرائيلي، عسكريًا واستخباراتيًا، كما لم يحدث من قبل. في حسابات وتعقيدات اللحظة الحاليّة، تبدو إسرائيل أمام انكشاف من نوع آخر، أمام نفسها هذه المرّة. بتعبير «أفيغدور ليبرمان»، وزير الدفاع الأسبق والمُعارِض الحالي، الذى تَبَنّى مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين في نسخة عام (2018)، فإنّ هناك تغييرًا جوهريًا في الشرق الأوسط، «لكنّه ليس في صالحنا». الاستنتاج نفسه يعكس عمق المأزق الإسرائيلي الحالي. هناك فعلًا حسابات وترتيبات أمريكية جديدة في الشرق الأوسط، لكنها تصبّ في صالح إسرائيل وليست ضدّها. لقد فشلت حكومة «نتنياهو» في حسم الحروب المفتوحة، وغاب عنها أيّ أفق سياسي لليوم التالي. هذا ما يذهب إليه «ليبرمان»؛ لكنه يغفل أنّ خطّة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» استهدَفت إنقاذ إسرائيل من نفسها، حتى لا تُفرَض عليها العزلة الدولية بسبب وحشيّة حربي الإبادة والتجويع في غزة. وفق خطّة «ترامب»، فُرِضَت وصاية أمريكية على القرار الإسرائيلي، ولكن لصالحها لا ضدّها.
التصعيد في ملف الأسرى ربما يستَهدف هذه المرّة نوعًا من المُناوَرة مع الإدارة الأمريكية، حتى يكون مُمكنًا الاستجابة لكامل تصوّراتها لمَهام القوّات الدولية المُزمَع تشكيلها وفق قرار مجلس الأمن الدولي، لتتولّى بالقوّة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وليس «حماس» وحدها. «إن لم يَحدُث ذلك فسوف تتولّى إسرائيل القيام بالمهمّة»، على ما قال «نتنياهو»، مُحَذّرًا ومُهَدّدًا، برغم أنه فشل في إنجازها على مدى عامين كامليْن. التحدّيات تفرض نفسها على العرب جميعًا، وليس الفلسطينيين وحدهم.
(*) بالتزامن مع “الشروق“
2025-12-03 11:16:19 | 31 قراءة