عشرة دوافع:
لماذا قد تُحافِظ إدارة ترامب على اتفاق غزة؟
22 أكتوبر، 2025
د. أيمن سمير:- خبير في العلاقات الدولية
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدّمة
تُحاول الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب منع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس. وفي هذا الإطار، قرّر ترامب إعادة مبعوثيه، ستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر، إلى منطقة الشرق الأوسط، بعد نحو أسبوع من توقيع الاتفاق، حيث وصَلا إلى إسرائيل يوم 20 أكتوبر الجاري، قبل يوم واحد من وصول نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، إلى المنطقة. وتهدف هذه الزيارة إلى ضمان الالتزام بوقف إطلاق النار في غزة، وتنفيذ باقي خطوات المرحلة الأولى من خطّة ترامب، والانتقال إلى المرحلة الثانية منها، وهي الأصعب، لأنها تتضمّن نزع سلاح حركة حماس، ونشر قوّة دوليّة لحفظ السلام في غزة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.
وأفادَت وسائل إعلام إسرائيلية بأن ويتكوف وكوشنر أبلَغا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنهما يتوقّعان من إسرائيل احترام وقف إطلاق النار. كما كشفَت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نقلاً عن مسؤولين من الولايات المتحدة، بأن إدارة ترامب تعمل على منع نتنياهو من إلغاء اتفاق غزة واستئناف الهجوم على القطاع. كما أكّد ترامب، يوم 19 أكتوبر الجاري، أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس ما زال قائماً، مُشيراً إلى أن قيادة حماس لم تكن مُتَوَرّطة في أيّ خروق، وألقى باللوم على "بعض المتمرّدين داخل الحركة".
ولا تقتصر الأهداف الأمريكية على ضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتطبيق باقي مراحله؛ بل تمتد إلى العمل على خلق حالة من تبريد الصراعات وتهدئة التوتّرات في المنطقة؛ لهذا تحدّث الرئيس ترامب، أكثر من مرّة، عن أن هدَفه هو دخول إيران إلى مسار السلام الذي تؤسّس له واشنطن في الإقليم.
وتتَعدّد المُحَفّزات التي دفعت الرئيس ترامب إلى إقرار خطّته للسلام في غزة، والتي قد تؤدّي إلى استمرار سعيه للحفاظ عليها وتنفيذها؛ ويتمثّل أبرزها في النقاط العشر التالية:
1- تحدّيات الجيش الأمريكي:
يشعر الرئيس ترامب بأنه في حاجة شديدة إلى وقف الحرب الإسرائيلية على غزة؛ لأنها تستنزف جزءاً رئيسياً من القدرات العسكرية الأمريكية، خصوصاً في ظلّ التحدّيات التي يُواجِهُها الجيش الأمريكي، ومنها عجزه عن تحقيق هدف التعبئة والحشد في آخر عامَيْن؛ حيث أشارت الإحصائيّات إلى أن هذا الجيش عانى من عجز يُقَدّر بنحو 41 ألف جندي عام 2023، وأن هذه الأزمة تعمّقت أكثر في عام 2024؛ لأن الأجيال الجديدة تُفَضّل الوظائف المدنيّة عن العمل في الجيش الأمريكي.
ويُفَوّت الانخراط الأمريكي المباشر وغير المباشر في الحروب التي تشنّها إسرائيل في الشرق الأوسط، على الرئيس ترامب ووزارة الحرب الأمريكية الفرصة لمعالجة تلك التحدّيات التي تزامنت مع تحدّيات أخرى، منها عدم وفاء الإنتاج الأمريكي من الأسلحة والذخيرة بمتطلّبات الجيش الأمريكي وحلفاء واشنطن حول العالَم؛ وهو ما دفع وزير الحرب، بيت هيغسيث، إلى مُطالَبة شركات السلاح الأمريكية بمضاعفة إنتاجها من السلاح والذخيرة، وخاصّةً الصواريخ والذخيرة من نوعيّة 155 مم، التي تمّ استنزافها بسبب حروب إسرائيل في المنطقة؛ وكذلك الحرب الروسية-الأوكرانية.
2- تطبيق استراتيجيّة "الإطار":
تحتاج الولايات المتحدة إلى تغيير استراتيجيّة وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط. وبتوجيه من الرئيس ترامب، ووزير الحرب هيغسيث؛ يعمل قائد القيادة المركزية الأمريكية، الأدميرال براد كوبر، في الوقت الحالي، على صياغة استراتيجيّة جديدة هدفها تقليص عدد الجنود والأصول العسكرية الأمريكية في المنطقة، ويُطلَق عليها "الإطار" Scope
وتختلف استراتيجيّة "الإطار" بشكل جذري عن تلك التي كان يتّبعها الجنرال مايكل إريك كوريلّا، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، الذي كان يُرَكّز على الحشد، والتعبئة السريعة، والتحريك الواسع لحاملات الطائرات والمُدَمّرات والغوّاصات. بينما يُرَكّز الأدميرال براد كوبر على تحديد الخطر، وبناء قدرات الردع التي تتناسب فقط مع حجم الخطر دون زيادة أو نقصان، اعتماداً على تقييم دقيق للتهديدات وفق القدرات الجديدة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وتقف وراء هذه الاستراتيجيّة الجديدة رغبة ترامب في أن يؤدّي الحلفاء والشركاء في المنطقة دوراً أكبر في الدفاع عن أنفسهم، على غرار ما يفعل مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا ودول حلف دول شمال الأطلسي؛ وكلّ هذا وفق مبدأ وعنوان جديد يؤمن به ترامب، وهو "تقاسم الأعباء والمخاطر"، بما يقلّل الاعتماد على الجنود الأمريكيين. ولا يمكن للرئيس ترامب أن يبدأ في تطبيق تلك الاستراتيجيّة دون أن يكون الشرق الأوسط مستقراً، بما يسمح بانتقال سلِس من رؤية الجنرال كوريلّا إلى مخطّط واستراتيجيّة الأدميرال كوبر.
3- فاتورة دعم إسرائيل:
في الوقت الذي أوقف فيه الرئيس ترامب، منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، غالبيّة برامج الدعم والمساعدة الدولية؛ أكّدت أكثر من دراسة أن واشنطن أنفقَت ما يتراوح بين 31 و33 مليار دولار أمريكي كدعم عسكري مباشر وغير مباشر لإسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023. ووفق دراسة نشرَها مشروع "تكاليف الحرب"، في كليّة واتسون للشؤون الدولية بجامعة براون؛ فإن الولايات المتحدة أنفقت نحو 10 مليارات دولار إضافيّة على المساعدات الأمنيّة والعمليّات في الشرق الأوسط خلال العامَيْن الماضيين، بينما قدّمت مساعدات عسكرية مباشرة لإسرائيل بنحو 21.7 مليار دولار خلال نفس الفترة.
وليس هذا فقط، فقد استخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض "الفيتو" 6 مرّات في مجلس الأمن خلال العامَيْن الماضيين لحماية إسرائيل من الإدانة؛ وهو ما يُشَكّل عبئاً سياسياً كبيراً على واشنطن، خصوصاً عندما يُصَوّت كلّ أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين لصالح القرار، بينما تقف واشنطن وحدها أمام الجميع، وتعمل بمفردها بعيداً عن أقرب حلفائها، مثل بريطانيا وفرنسا.
4- المُنافَسة مع القوى الدولية:
بعد الانخراط الأمريكي المباشر وغير المباشر في الحروب الإسرائيلية بالشرق الأوسط، أدركت واشنطن أنها أضاعت الكثير من الفُرَص التي استفاد منها مُنافِسوها، خصوصاً الصين، في تعزيز نفوذهم في أكثر من إقليم حول العالَم. وتعالت الكثير من الأصوات الأمريكية التي تُنادي بوقف الحروب الإسرائيلية في المنطقة حتى تعيد الولايات المتحدة تركيز جهودها على المُنافَسة الحادّة مع الصين وروسيا. كما حذّر كثيرون من أن إطالة زمن الحرب الإسرائيلية على غزة يُعطي فرصة للصين وروسيا لتعزيز أو تأكيد نفوذهما، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في مناطق أخرى حول العالَم، بما فيها أمريكا الجنوبية والكاريبي.
5- ترميم الصورة النمَطِيّة:
رسمَت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة صورة نَمَطِيّة سلبيّة للولايات المتحدة لدى الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، مفادها أن واشنطن تدعم بلا شروط آلة القتل والتجويع الإسرائيلية في القطاع. وتَستَنِد الحسابات الأمريكية إلى أن نجاح الرئيس ترامب في وقف حرب غزة؛ من شأنه أن يُسهِم في إعادة رسم صورة ذهنيّة عن الولايات المتحدة بأنها قائدة السلام والاستقرار في المنطقة، بدَلاً من الصورة النمطيّة السلبيّة التي رافقتها طوال عامَيْن من هذه الحرب.
6- الترويج لترامب كـ"صانع سلام":
من خلال النجاح في إنهاء حرب غزة، يُقَدّم الرئيس ترامب نفسه لناخبيه وللعالَم على أنه "صانع سلام"، وأنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي لم يدخل حرباً في آخر نصف قرن حتى نهاية ولايته الأولى في يناير 2021، وذلك على عكس أسلافه (مثل جورج بوش في أفغانستان والعراق، أو باراك أوباما في ليبيا وسوريا). ومن هذا المنطلق، فإن تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، والانتقال إلى تعزيز السلام في الشرق الأوسط؛ يدعم هدف ترامب بتصوير نفسه باعتباره "صانع سلام"، والقائد القادر على وقف النزاعات في العالَم.
وكان ترامب يطمح في الحصول على جائزة نوبل للسلام هذا العام؛ لكنّه لم يتمكّن من ذلك؛ غير أن كثيراً من الأصوات الإقليمية والدولية باتت تُنادي بحصوله على هذه الجائرة في العام المقبل، وتتوقّع حدوث ذلك، خاصّةً في حال نجاحه في تثبيت وقف إطلاق النار في غزة.
7- تأكيد صورة الرئيس القوي:
في مُقابِل رسم ترامب صورة للرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، على أنه "رئيس ضعيف"؛ يُقَدّم ترامب نفسه باعتباره رئيساً قوياً يحترمه العالَم ويُحِبّه؛ وبسبب قراراته القويّة تتزايد فُرَص السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. ولهذا أرجَع ترامب وقف إطلاق النار في غزة إلى قراره بتدمير المنشآت النووية الإيرانية في يونيو الماضي، وأن رسالته الحازمة لإيران هي التي أجبَرتها على القبول بموقف حماس بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، على حدّ وصفه.
8- عين على التاريخ:
يكشف تحليل الخطاب السياسي للرئيس ترامب خلال ولايته الأولى، والأشهر التسعة من ولايته الثانية؛ عن أنه رئيس مُغرَم بالتاريخ. ولهذا فهو حريص على تخليد مكانته في التاريخ الأمريكي، من خلال القيام بأعمال تتذكّره بها الأجيال القادمة. ويعتقد المُحيطون بالرئيس ترامب أنه ينظر إلى السلام في الشرق الأوسط، في حال تحقّقه، على أنه سيكون أحد أبرز نجاحاته وميراثه الذي يتذكّره به التاريخ.
9- ترسيخ الترامبيّة:
دفَع الفوز الكبير الذي حقّقه ترامب والحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر 2024، أقطاب الحزب الجمهوري إلى العمل على ترسيخ أفكار واستراتيجيّات ترامب لأطول فترة مُمكِنَة حتى بعد خروجه من البيت الأبيض؛ بمعنى أن تبقى "الترامبيّة" حتى بعد خروج ترامب من المشهد السياسي الأمريكي. ونظَراً لأنه يتبقّى نحو عام واحد على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر 2026، ربما وجَد ترامب في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة فرصة ليس فقط لتوحيد الحزب الجمهوري خلفه، بل لتوحيد جميع الأمريكيين. وفي لحظة نادرة في حُكم ترامب، اتّفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي على دعم جهود ترامب لوقف إطلاق النار في غزة، تمهيداً لتثبيت التهدئة وإنهاء الحرب.
وكان ترامب قد تلقّى أكثر من تحذير بأن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة يُهَدّد بتقسيم حركة "لِنجعل أمريكا عظيمة من جديد" (ماغا) MAGA؛ وهي الحركة التي عادت به إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية. ولهذا فإن وقف هذه الحرب قد يُوَحّد الجمهوريين؛ كما يجذب الكثير من المُستَقِلّين والمُتَأرجحين إلى الحزب الجمهوري.
10- عدوى السلام:
يُراهِن الرئيس ترامب وإدارته الجمهورية على أن وقف إطلاق النار في غزة، ونجاحه في تدشين مسار سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ يمكن أن يُشَكّلا نموذجاً يُحتَذى به لإنهاء الحرب الروسية -الأوكرانية. وقد بدأت بالفعل خطوات في هذا الاتجاه؛ إذ تم الاتفاق مبدئياً على عقد قمّة جديدة بين ترامب والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان من المُقَرّر أن تُعقَدَ في العاصمة المجريّة بودابست خلال الأسبوعين المقبلين، قبل أن يُصَرّح ترامب في 21 أكتوبر الجاري بأنه لم يتّخذ بعد قراراً نهائياً بشأن هذا الاجتماع.
ختاماً، قد تُفَسّر الدوافع والمُحَفّزات الموضَحة اتجاه إدارة الرئيس ترامب إلى إنجاح خطّتها بشأن غزة، واستكمال باقي مراحلها، وذلك بالرّغم من التُّهم المُتبادَلة بين إسرائيل وحركة حماس بانتهاك وقف إطلاق النار.
2025-11-10 10:43:24 | 110 قراءة