رؤى مُتشائمة لمستقبل "إسرائيل": انهيار السرديّتين القوميّتين المؤسّستين
ليبرمان: "إذا خسرنا الانتخابات فسيكون هذا خراب الهيكل الثالث. ومتوسّط عمر دولة إسرائيل محدود جدا"* باحثة: "وسائل الإعلام الإسرائيلية تعمل مثل الطبيب الذي يُخفي عن مرضى السرطان خطورة حالتهم، كي يموتوا بحالة معنوية مرتفعة".
موقع عرب 48
تحرير: بلال ضاهر
7/10/2025
بعد سنتَين على حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل ضدّ الفلسطينيين في قطاع غزة، بدأت تظهر رؤى مُتشائمة حيال مستقبل إسرائيل، وليس فقط بسبب سياسة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والمستوطنين المتطرّفين، وإنّما أيضاً بسبب الإعلام الإسرائيلي المُجَنّد في الحرب ويبرّر الجرائم والإبادة بحقّ الغزّيين.
وبحلول الذكرى السنوية الثانية للحرب، تقتَرب إسرائيل من الانتخابات العامّة، التي ستَجري بعد سنة كحدٍ أقصى، لكنها قد تجري في موعد أقرب، فيما المجتمع الإسرائيلي مُنقسِم بين التأييد لنتنياهو ومُعارضَته. لكن بغضّ النظر عن موعد الانتخابات، فإن الحمَلات الانتخابية للمُرَشّحين قد بدأت.
وقال رئيس حزب "يسرائيل بيتينو"، عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان، الذي يعتبر نفسه المرشّح الأنسب بين قادة المعارضة لتولّي رئاسة الحكومة، في مُقابَلة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، الإثنين، إنه "إذا خسرنا الانتخابات فسيكون هذا خراب الهيكل الثالث. ستنتهي الدولة. ومتوسّط عمر دولة إسرائيل محدود جداً. إلى هذه الدرجة. وبشكل قاطع. ونتنياهو ليس مُهتَماً بأيّ شيء. لديه هوَس بالحُكم غير قابل للسيطرة".
وأضاف ليبرمان أن "لديّ هدفان، ويجب أن يكون هذا واضحاً. الهدف الأوّل هو تغيير حكومة 7 أكتوبر وحكومة التهرّب (من الخدمة العسكرية للحريديين) بحكومة وائتلاف صهيونيين. والأمر الثاني هو أن أكون رئيس حكومة".
وعلى خلفيّة المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس حول خطّة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب وتبادل أسرى، قال ليبرمان إن "الأمر المُهِم هو أن المُختَطفين سيعودون إلى الديار. سيَكون هناك المزيد من الصعوبات والعثَرات في الطريق. وعلينا أن نشكر ترامب".
ويعتقد ليبرمان أن اتفاقاً على خطّة ترامب سيقود إلى تبكير الانتخابات، إذ "يصعب عليّ رؤية كيف سيبقى بن غفير وسموتريتش في الحكومة. ومن الجائز أن يُبادِر نتنياهو إلى خطوة ويقرّر تبكير الانتخابات".
أقوال ليبرمان تأتي من شخص لديه مصالح سياسية – حزبية شخصية، ولا ينتقد الجرائم الإسرائيلية خلال الحرب وإنّما نتنياهو فقط. لكن الباحثة الإسرائيلية في مجال الإعلام السياسي، د. أيالا فنييفسكي، انتقَدت أداء وسائل الإعلام الإسرائيلية، في تقرير نشرَته حديثاً بمناسبة مرور سنتين على الحرب في موقع معهد "مولاد".
ووفقاً لفنييفسكي، فإن "وسائل الإعلام تعمل مثل الطبيب الذي يُخفي عن مرضاه خطورة حالتهم، كي يتمكّنوا من الموت سريعاً في حالة معنوية مرتفعة. لكن السرطان لا يذهب إلى أيّ مكان. وإذا علِمنا بوجوده مسبقاً، وإذا كان بحوزتنا المعلومات والمعطيات المطلوبة كلّها من أجل مُحارَبة المرض، ربما سننجح في إنقاذ حياتنا".
وأكّدت على أن وسائل الإعلام المرئيّة في إسرائيل شاركت في جهود إخفاء حجم الضرَر والمُعاناة في غزة عن الجمهور الإسرائيلي، "وبدَلاً من أن يُنَفّذ الصحافيون عملهم، الشعور هو أنهم يُغَطّون أعين الجمهور؛ وهذه مأساة بنظَري"، حسبما نقلت عنها صحيفة "هآرتس"، أمس.
وأضافت أنه "أيّ شخص من خارج إسرائيل تحدّثت معه، في السنتين الأخيرتين، يَنظر إلى ما يحدث ولا يفهم كيف يمكن أنّ أصدقاءه الإسرائيليين يبدون الآن كمن لا يعيشون في الواقع نفسه. في الخارج يشعرون كأنّنا نحن الإسرائيليون صعدنا إلى مركبة فضائيّة وأصبحنا مُنقَطعين عن العالَم. هذا وضع خطير، من شأنه أن يُكَلّفنا أثماناً باهظة. وسيكون من الصعب إعادة العجَلة إلى الوراء".
وتابعت فنييفسكي أنه بعد الأشهر الستّة الأولى للحرب "اعتقَدنا أنها توشِك على الانتهاء، وأنّنا شهدنا فترة الحرب أو معظمها على الأقل. أصبح من الصعب أن نتذكّر الآن، لكن كانت أسباب جيّدة في حينه كي نعتقد ذلك، مع عناوين حول ’صفقة تتقدّم، وبعد وقت قصير ستُبرَم’، التي نعلم اليوم أن الكثير من العناوين كانت خدَعاً إعلامية. فالحرب لم تنته، لكن الأشهر الستّة الأولى كانت كافية كي تُبَلوِر أنماط التفكير الإعلامي".
وأشارت إلى أنه "كمن تُشاهِد نشرات الأخبار يومياً في السنتين الأخيرتين، بإمكاني القول إنّ التأطير والعمى اللذين تبلوَرا في حينه كسرديّة مركزية لوسائل الإعلام في الحرب، لم يتغيّرا بعد سنتَين".
واتّهمت فنييفسكي القناة 12 بأنها المسؤولة عن هذا الوضع. "وهناك عدّة أسباب. فالقناة 12 هي المُسَيطِرة بالكامل على وسائل الإعلام الإسرائيلية، والأكثر مشاهدة بلا مُنافِس، والأكثر تأثيراً أيضاً. ونشْرَتها الإخبارية يُشاهدها جميع صنّاع القرار، والنخبة السياسية، والعسكرية، والاقتصادية. وهم يفرضون الأجندة على وسائل الإعلام الأخرى أيضاً. ومع القوّة الكبيرة تأتي المسؤولية الكبيرة".
وشدّدت على أن المأساة الإنسانية في قطاع غزة غابت كلّياً عن التغطية الإعلامية الإسرائيلية، وأن بحثَها أكّد على الفجوة الكبيرة بين التغطية الإعلامية في إسرائيل والعالَم. "التقارير المُصَوّرة والصوَر من قطاع غزة التي ظهَرت في نشرات الأخبار، قدّمت للمُشاهِدين القتال والجنود الإسرائيليين أو مبان مُدَمّرة ومُدُناً مهجورة، وليس المُعاناة الإنسانية وأثمان الحرب".
وأضافت أنه "في الأشهر الستّة الأولى، قُتِلَ في قطاع غزة أكثر من 31 ألف إنسان، بينهم 9 آلاف امرأة و13 ألف طفل. ومنذئذٍ وحتى اليوم يموت عشرات في القطاع يومياً. وحتى أن الجيش الإسرائيلي لا يدّعي أن معظَمهم مخرّبون. وهذه الحقيقة لم تدخل، ولو بجملة واحدة، في نشرات أخبار أيّ قناة مركزية إسرائيلية. كيف يتعيّن على مُواطِني إسرائيل أن يتّخذوا قرارات مدروسة بشأن مستقبلهم بدون معلومات أساسيّة حول من مات ومتى؟ هذا وضع مُضطرب".
وأكّدت فنييفسكي على أن "النتيجة هي أن التغطية الإعلامية الإسرائيلية عنصريّة جدّياً، وكذلك في تعامل إسرائيل تجاه العالَم، وبكافة العِبارات، مثل ’جميعهم مُعادون للسامية’".
سرديّة تمنح إسرائيل حقاً أخلاقياً بالوجود
أشار الباحث والمُحاضِر في قسم التربية في كليّة "بيت بيرل"، يورام هارباز، في مقال في "هآرتس"، أمس، إلى أن "سرديّتين قوميّتين مؤسّستين انهارَتا في حرب 7 أكتوبر: السرديّة التي بموجبها إسرائيل هي ملاذ آمن للشعب اليهودي، والسرديّة التي بموجبها إسرائيل لا يمكنها تنفيذ جرائم حرب؛ وبالتأكيد لن تكون مسؤولة عن إبادة جماعيّة. ومن هذه الناحية، 7 أكتوبر هو مُفتَرق تاريخي. ووجهة الدولة ليست واضحة؛ وأيّ سرديّة ستُغرَس في نفوس الطلّاب في المدارس".
واقتبس هارباز عن المُنَظّر الإعلامي الأميركي، نيل بوستمان، أن "السرديّة هي قصّة تمنح توجيهاً أخلاقياً، وشعوراً بالاستمراريّة، وتسويغات حيال الماضي، ووضوحاً للحاضر وأمَلاً للمستقبل". وأضاف أن "الشعوب والدول بحاجة إلى سرديّة تمنح معنى للحياة في إطار قومي وسياسي. وشعوب ودول يوجد تحدٍ على وجودها بحاجة إلى سرديّة كهذه بشكل أكثر إلحاحاً، من أجل البقاء".
وشدّد على أنه "منذ قيام إسرائيل تصدّعت السرديّتان القوميّتان المؤسّستان: الحروب والإرهاب صدّعا سرديّة الملاذ؛ الاحتلال والعمليّات العسكرية التي تُرَفرِف فوقها راية سوداء صدّعت سرديّة الأخلاقيّات الجوهريّة بالنسبة لدولة اليهود. لكن التصدّعات لم تُقَوّض السرديّات بالكامل".
وأشار إلى أنه "حتى 7 أكتوبر والحرب التي جاءت في أعقابه، آمَن معظم الإسرائيليين بأن إسرائيل هي المَلاذ الآمن نسبياً لليهود، وأنها هي نفسها بريئة بشكل جوهري، وأن الجيش الإسرائيلي هو ’الجيش الأكثر أخلاقيّة في العالَم’".
وأضاف هارباز أن "التفكير بما كان سيَحدُث لو انضمّ حزب الله بكلّ قوّته إلى هجوم حماس، وبالانتظار للصواريخ من إيران، وصوَر المُختَطفين المُجَوّعين المُحتَجزين في أنفاق غزة، عزّز تجربة الشتات والضحيّة الأساسية للوجود اليهودي. فالثورة الصهيونية، التي أعادت الشعب اليهودي إلى التاريخ وحوّلته من ضحيّة أبديّة إلى شعب يُدافِع عن نفسه برعاية دولة سياديّة قويّة، انقلَبت من قصّة نجاح إلى قصّة مشكوك بها".
وبحسبه، فإن "’الجُرح الأخلاقي’ ينتشر ببطء بين الإسرائيليين، المُقاتِلين والمُواطِنين"، بعد مَشاهد القتل والتجويع والتدمير في قطاع غزة، "وانتشاره سيتَسارع عندما يصل المُراسِلون الأجانب إلى المنطقة، وسيَكسر الجنود صمتهم، وسيَنشر باحثون استنتاجاتهم، وستتّضح الصورة، أو تُصبح سوداء. وبعد مرور الوقت فقط، سيكون بالإمكان إدراك حجم الكارثة. والمُرشِدون في متحف المحرقة يقولون إنه كلّما ابتعدنا عن الهولوكوست يُصبح حجمها أكبر".
وأضاف هارباز أنه "منذ الآن، وقبل الإدراك الكامل لدمار قطاع غزة ومقتل سكّانه على أيدي الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، تنتشر وصمة رهيبة ليس على حاضِر إسرائيل فقط، وإنّما على ماضيها ومستقبلها أيضاً. وسَيُقرَأ تاريخ الحركة الصهيونية من جديد من خلال دمار وموتى غزة، بشكل سيُزَلزِل أُسُس الوطن القومي".
وتابع: "الآن، بعد أن تبدّدت السرديّة الثانية (التي بمُوجبها إسرائيل لا يمكنها تنفيذ جرائم حرب وإبادة جماعيّة) يومياً أمام أنظارنا، أصبح العيش في الدولة ليس تحدّياً جسدياً فقط، وإنما تحدّياً أخلاقياً أيضاً. والسؤال: كيف سمَح الألمان للنازيين بالسيطرة عليهم، أو أنهم أصبحوا بهذا الشكل، يتلقّى يومياً إجابة عادية".
واعتبر هارباز أنه "بعد 7 أكتوبر سيَكون من الصعب على المُعَلّمين في دروس التاريخ والمدنيّات والمَراسِم، وللمُرشِدين في حركات الشبيبة، غرْس السرديّتين الصهيونيّتين في نفوس الطلّاب. ورغم أن للسرديّات قوّة صمود، لكن توجد ’حقائق صعبة’ تفّكك سرديّات. والمجزرة التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر، والمجزرة التي ارتكبناها في غزة في الحرب موثّقة جيّداً. والسرديّات القومية المؤسّسة ستُواجِه صعوبة في تحييد الحقائق؛ وستكون هناك ضرورة لإيجاد سرديّة قوميّة جديدة".
واقتبس هارباز عن بوستمان قوله إنه "’بدون سرديّة، المدرسة ستكون سجناً، وليس مكاناً للتربية’. وهذا ينطَبق على الشعب والدولة. بدون سرديّة الناس هم أسرى، مسجونين في شعب ودولة لا يتماثلون معهما".
ورأى هارباز أن "السرديّة الوحيدة التي بمقدورها ترميم حقّ إسرائيل الأخلاقي بالوجود، وقدرتها على الوجود، ينبغي أن يكتبها اليهود والفلسطينيون الذين ينشدون السلام وحياة مُشتركة ومُتساوية. وبإمكان سرديّة كهذه يَكتبها الشعبان اللذان ذبَحا بعضهما طوال 150 عاماً، أن تُعيد إعمار دمار غزة وإسرائيل".
2025-10-13 13:06:21 | 36 قراءة