التصنيفات » مقالات سياسية

تقارير إسرائيلية: اتساع انعكاسات ارتفاع كلفة المعيشة بسبب الحرب على الجمهور العريض!
تقارير إسرائيلية: اتساع انعكاسات ارتفاع كلفة المعيشة بسبب الحرب على الجمهور العريض!
 
15 سبتمبر 2025
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة 
• برهوم جرايسي
قالت تقارير إسرائيلية إن انعكاسات ارتفاع كلفة المعيشة على الجمهور العريض باتت أكثر وضوحاً من ذي قبل. ومن مؤشّرات هذا تراجع الاستهلاك الفردي، أو عدم ثباته، وتراجع القدرة على التوفير؛ وهو أحد الدلالات على تراجع فائض مدخول العائلة. ولربّما يُضاف إلى هذا التقارير التي تتحدّث عن تراجع وتيرة بيع البيوت الجديدة. وهذا في ظلّ استمرار ارتفاع الأسعار، على الرّغم من أن الوتيرة باتت أقلّ ممّا سبق. لكن في تفصيل أدَق، لمعرفة جوانب ارتفاع مؤشّر التضخّم، يتّضح أن أسعار البضائع والخدَمات الأساسية ترتفع أكثر من غيرها؛ وتُشَكّل الحرب الدائرة عنصراً أساسياً في ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة ككل.
 يُواجِه الاقتصاد الإسرائيلي ارتفاعاً مُتَواصلًا في كلفة المعيشة، بشكل خاص منذ العام 2021، إذ إن الغلاء (مؤشّر الأسعار- التضخّم)، ارتفَع منذ مطلع العام 2021، وحتى شهر تمّوز الماضي 2025، بنسبة تراكميّة في حدود 18%، بينما مُعَدّل الأجور حتى مُنتَصف العام الجاري، 2025، ارتفَع بنسبة 14%. وفقط الحدّ الأدنى للأجر ارتفَع بنسبة تُشابِه نسبة التضخّم المالي، خلال هذه الفترة؛ لكن هذا الارتفاع جاء بعد سنوات من فقدان الحدّ الأدنى من الأجر لقيمته الشرائيّة بنسبة مَلموسة، ولم يتم التعويض عنها.
في العام الجاري وحده، ارتفَع مؤشّر الأسعار في الأشهر السبعة الأولى بنسبة 2.5%. ومن المُفترَض أن ترتفع هذه النسبة مع إعلان نسبة التضخّم المالي عن شهر آب الماضي، هذا الأسبوع. لكن في حسابات الأشهر الـ 12 الأخيرة، وهو مقياس التضخّم/ الغلاء، فقد ارتفَع التضخّم حتى شهر تمّوز الماضي بنسبة 3.1٪. لكن هذه النسبة من المُتَوَقّع أن تنخفض هذا الأسبوع، إلى ما دون نسبة 3%، وهي نسبة الحدّ الأقصى التي حدّدها بنك إسرائيل المركزي، لأن نسبة الغلاء المُتَوَقّعة في آب الماضي، ستكون أقلّ من نسبة الغلاء في الشهر ذاته من العام 2024، حينما بلغت 0.9٪.
وتقديرات الغلاء للعام الجاري، بحسب بنك إسرائيل، ستكون في محيط 2.6%، وهي نسبة تسمح بخفض الفائدة البنكيّة العالية، بينما تقديرات منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية العالمية OECD في محيط 3.6%. إلّا أن وتيرة التضخّم  الحالية تميل لصالح تقديرات بنك إسرائيل المركزي.
غلاء المواد الغذائيّة
ترتَكز نسبة التضخّم المالي على سلّة مُشتَريات العائلة، التي يُقَرّر تركيبتها مكتب الإحصاء المركزي، ويُجري عليها تعديلًا طفيفاً مرّة كلّ عامين، بناءً على استطلاع ومسح لشكل صَرْف العائلات. وقد ثبت على مدى السنين، أن نسبة التضخّم لا تعكس حقيقة الغلاء في جانب البضائع الحياتيّة الأساسيّة، وأوّلها المواد الغذائيّة.
فقبل أسابيع قليلة، قال بحث لقسم الأبحاث في الكنيست، وتمّ عَرْضه على لجنة الشباب البرلمانية، إنه في السنوات الثلاث الماضية، تراجعت أسعار المواد الغذائية في العالَم بنسبة 5.7%، بينما ارتفعَت في السوق الإسرائيلية بنسبة 16.3%، بمعنى فارق أسعار بنسبة 22% (بين انخفاض وارتفاع).
وجاء أيضاً، أن إسرائيل هي الأغلى في سوق الأغذية بين الدول الأعضاء في منظّمة OECD، بمعدّل 36%، وأن فجوة الأسعار في مُجمَل البضائع الحياتيّة الأساسيّة تصل إلى نسبة 73٪.
ومثال آخر، طرَحه البحث ذاته، أنه منذ العام 2017 وحتى العام 2024، ارتفع التضخّم المالي في الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 19% (سنوات قليلة قبل العام 2020 كانت نسبة التضخّم "سلبيّة")، بينما أسعار المواد الغذائية ارتفعَت في الفترة ذاتها بنسبة تُقارِب 23%، وأسعار الخضراوات الطازجة ارتفعَت بنسبة 32%، وأسعار الفواكه الطازجة ارتفعَت بنسبة قاربت 54٪.
أسباب غلاء المواد الغذائية متعدّدة، لكن المتحدّثين في اللجنة البرلمانية، سابقة الذّكْر، ركّزوا حديثهم على الاحتكارات في سوق الأغذية، بينما تقارير إسرائيلية عديدة على مرّ السنين، قالت إن شروط الحلال الديني اليهودي ترفع أسعار اللحوم بنسبة 30%، وترفع أسعار المواد الغذائية الأخرى بنسبة 20٪.
الغلاء بدأ ينعكس على الجمهور بقَدر أكبر
بدأت تظهر دلالات في تقارير بحثيّة، وأخرى شبه رسميّة، حول القدرة على الاستهلاك، وكميّة فائض مَداخيل العائلات، ومنها القدرة على التوفير. واستعرَضت صحيفة "ذي ماركر" أحد هذه التقارير. ويقول كبير الخبراء الاقتصاديين، في شركة "ميتاف" الإسرائيلية للاستثمارات، أليكس زابرزينسكي، إنه "قبل أربع سنوات، كان ما يُقارِب 40% من العائلات قادرة على الادّخار. لكن هذه النسبة انخفضت مؤخّراً إلى 28% فقط. وفي هذه الفترة، أصبح المُدّخِرون مُتَوازنين (بين الدّخل والنفقات). ولكن إذا لم يتغيّر الوضع، فستُصبح المزيد من العائلات من تلك التي هي غير قادرة على تسديد التزاماتها واحتياجاتها الشهرية، وستطلب القروض".
وأضاف أن "هذا جزء من القصّة الإسرائيلية التي تؤثّر على الاستهلاك. إذ إنّ عملية التباطؤ تحدُث، لكنها ليست سريعة في الوقت الحالي. وستتسارع عندما لا يُسَدّد المزيد من الإسرائيليين حساباتهم الشهرية. ويجب أن نتذكّر أيضاً أن جزءاً من قوّة المُستَهلك حالياً، يعتمد على جميع أنواع التحويلات الحكومية (مُخَصّصات وغيرها)، سواء لجنود الاحتياط، أو الذين تمّ إجلاؤهم من بيوتهم بفعل الحرب، أو غيرهم؛ لكن هذه المُخَصّصات ستتَوقّف في مرحلة ما".
تقول الصحيفة إن أحد المؤشّرات الذي قد يُشير، أيضاً، إلى تباطؤ الاستهلاك، يظهَر في بيانات شركة "شيبا" حول إنفاق الجمهور بواسطة بطاقات الاعتماد. ويُظهِر تحليل زبرزينسكي لبيانات بنك إسرائيل المركزي، استناداً إلى بيانات "شيبا"، انخفاضاً بنسبة 1.4% في الإنفاق خلال شهري تمّوز وآب، مُقارَنةً بشهري نيسان وأيّار.
وبحسب زبرزينسكي، ففي السنوات الأخيرة كان إنفاق الجمهور بواسطة بطاقات الاعتماد أعلى خلال الفترة من حزيران إلى آب، مُقارَنةً بأشهر آذار وحتى أيّار. وقال إنه بعد الحرب على إيران، "شهدنا ارتفاعاً حاداً في الاستهلاك، ما يعني أن المُستَهلِكين امتنَعوا عن الشراء لمدّة 12 يوماً ثمّ عادوا لشراء كلّ ما لم يشتروه؛ لكن هذا ليس ما تُظهِره البيانات".
ويبدو أن ضُعف الرّبع الثاني لم يكن بسبب الحرب فقط. فقد انخفض الناتج المحلّي الإجمالي في قطاع الأعمال بشكل حاد في الرّبع الثاني من العام الجاري، تقريباً بنفس القَدر الذي انخفض به في الرّبع الأوّل من العام 2020، مع بداية جائحة كورونا. وقد مَرّت فترة طويلة نسبياً من دون نمو في الاستهلاك الخاص، على الرّغم من بقاء المزيد من الناس في البلاد.
ويقول مسؤول تنفيذي كبير في إحدى أبرز مجموعات التجزئة في الاقتصاد، للصحيفة ذاتها: إنه "في العام 2024، نمَت إيراداتنا بمُعَدّلات ثنائيّة الرّقم. بدأ هذا الإقبال الشديد على التسوّق يَنحَسِر. ففي الأشهر الأخيرة، كان نموّ إيراداتنا مُتَماشياً مع زيادات الأسعار التي أجرَيناها، أو حتى أقل. إذا أخذنا في الاعتبار الزيادة الطبيعية في عدد السكّان، نستنتج أن الناس يُقَلّلون من استهلاكهم من حيث الكميّة. إنهم يشترون مُنتَجات أقل، لكنهم يدفعون أكثر بسبب ارتفاع الأسعار". ويضيف المسؤول التنفيذي: "نحن في بداية تباطؤ؛ وهذا يعني أن المُستَهلِكين أصبحوا أكثر حرصاً في إنفاقهم. وسنَكون أيضاً أكثر حذَراً فيما يتعلّق بالتوسّعات والاستثمارات وافتتاح فروع جديدة".
فجوات الثروة بين الإسرائيليين
تقول "ذي ماركر" إنه وفقاً لمسؤول كبير في قطاع بطاقات الاعتماد "نُلاحِظ تزايداً في عدم المساواة بين مختلف الشرائح الاجتماعية. لقد حقّق المَيسورون ربحاً من سوق الأسهم بعد ارتفاع الأسعار، ممّا أدّى إلى زيادة قيمة أصولهم. كما زادت مُدّخراتهم المُتَراكِمة بشكل ملحوظ. وهذا يؤثّر بالطبع على استهلاكهم الآخذ في النمو".
وقال إن "الطبَقات الأضعف تُعاني من غلاء المعيشة، وتضطرّ للعيش بالاقتراض. الاقتصاد يعمل بكامل طاقته، لكن أجور السكّان المُنتَمين إلى الشرائح المتوسّطة والدنيا بالكاد تكفيهم لتغطية نفَقاتهم".
وتابع أن "السؤال الأهم هو: ماذا سيحدث إذا حدث تباطؤ في التوظيف؟ هذا البالون الذي تضخّم بشكل كبير قد ينفجر أيضاً؛ وعندها قد يكون الأمر مؤلماً للغاية". وتَجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لا تزال في مرتبة أدنى من مُعظَم دول منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من حيث استخدام الائتمان الاستهلاكي نسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي. ولكن في الدول الغربية لا يوجد رصيد سلبي في حسابات المُواطنين، كما هو النظام البنكي الإسرائيلي؛ وهو نظام قلّ مثيله في العالم، ويسمح لأصحاب الحسابات البنكيّة الجارية، بحساب زائد، وفق اتفاق محدّد بين البنك وصاحب الحساب، وهذا يُكَلّفه فوائد بنكيّة شهرية.
يقول تقرير الصحيفة، إنه من المُتَوَقّع أن يدفع ثمن التضخّم والتراجعات الاقتصادية، من هم في الغالب من الطبقة المتوسّطة وما دونها، الذين يتمسّكون بكلّ قوّتهم بأسلوب الحياة المُريح الذي اعتادوا عليه. ولكن الآن، وللحفاظ عليه، يضطرّون إلى الاقتراض بأسعار فائدة مُرتَفِعة.
وقال مسؤول تنفيذي كبير في مجال بطاقات الاعتماد للصحيفة: "لا أحبّ أن أقول هذا صراحة، لأن المجتمع الإسرائيلي يمرّ بمرحلة حسّاسة؛ لكن الوضع الحالي جيّد جداً بالنسبة لنا من مَنظور الأعمال". وأضاف: "لقد عاد الطلَب على القروض للاحتياجات الاستهلاكية بشكل كبير، كما كان عليه في الأيام العادية قبل الحرب. ولقد تَكَيّف الناس مع أسعار الفائدة المُرتَفِعة، وهم يحصلون على القروض ليس فقط لتدبير أمورهم، بل أيضاً من أجل تلبية احتياجاتهم الحاليّة. وفي الوقت نفسه، يتمكّنون أيضاً من سداد القروض".

2025-10-11 14:00:13 | 35 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية