التصنيفات » مقالات سياسية

إسرائيل "سوبر- إسبارطة" من نواحٍ عدّة!
إسرائيل "سوبر- إسبارطة" من نواحٍ عدّة!
 
29  سبتمبر 2025
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة 
• أنطوان شلحت
لوحِظ على هامش ردّات الفعل على تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مؤخّراً، والتي قال فيها إن "إسرائيل ستكون إسبارطة، سوبر- إسبارطة" ومُنفَصِلَة عن العالَم، أن ثمّة من أعادَ التذكير بأنها هي "سوبر- إسبارطة" فعلاً من نواحٍ عدّة، حتى قبل آخر المُستَجدّات المُرتَبطة بتطوّرات حرب الإبادة والتدمير الشامل التي تَشنّها على قطاع غزة منذ يوم 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023.
والحقّ أنّ تناوُل هذا الموضوع يُتيح لنا إمكان أن نُعيد إلى الأذهان ما سبَق أن أكّدنا عليه في هذا الخصوص فيما يتعلّق بإحدى نواحي إسبارطية إسرائيل، وهي الناحية المتعلّقة بالأمّ الإسرائيلية. ففي نهاية العام 2018، صدَر في إسرائيل كتاب مُثير عنوانه "لتَقِفَنّ مثل سور منيع: أمّهات المُقاتِلين في الأدب العِبري"، تناوَلت فيه مؤلّفته دانا أولمرت، وهي نجلة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت، كيفيّة مُساهَمة الأدب العِبري في ترسيخ نموذج الأمّ الإسرائيلية بصفتها مُستَلَبَة لنزعة العسكرة والرّجولة.
وتُحاجِج أولمرت، كما تُثبِت في الكتاب، بأن ترسيخ الأمّ الإسرائيلية على هذا النّحو جعَلها تُشَكّل النموذج الأقرب إلى نموذج الأمّ الإسبارطية على مَرّ التاريخ، من زاوية حشر هذه الأخيرة في شرنَقة تربية طفلها وفقاً لنظام صارم وضعَته الدولة. ويقوم هذا النظام على أساس عدم تهذيب حركات الطفل، وضرورة أن تقسو عليه في مُعامَلته، وألّا تستَجيب لمَطالِبه؛ وكذلك أن تمنَعه من البكاء، وتترُكه في الظلام الدامس حتى يتعوّد على الصبر وتحمّل المَشاق؛ وأيضاً على تحمّل الجوع والألم، مُشيرَة إلى أن هدَف التربية الإسبارطية من وراء ذلك كلّه كان يتمثّل في "إعداد مُواطِن مُزَوّد بقَدرٍ كافٍ من الكمال الجسماني والشجاعة، ومُتَحلٍّ بعادات الطاعة العمياء، حتى يكون جندياً مثالياً لا يُهزَم"؛ وهو الهدَف نفسه الذي أوكِل إلى الأمّ الإسرائيلية أيضاً في مُعظَم النصوص الأدبيّة.
وتَبْني الباحثة مُقارَبتها بشأن الأمّ الإسرائيلية/ الإسبارطية من مُنطَلَق نقْد الأدب العِبري، الذي لا يَحضر فيه، في المُعتاد، سوى تمثيل لنمط أمٍّ تدعم مَسيرة ابنها المُتّجِهة نحو التحوّل إلى مُقاتِل ضدّ المُعتَدين على اليهود، والمُستَعِدّة لتقديمه قُرباناً لهذا القتال. ولا يكتفي هذا الأدب باستنساخ تلك الوظيفة للأمّ تحديداً، بل ويضيف على كاهِلها أنه يتعيّن عليها أن تُساند ابنها في تحقيق رجولته، التي تصل إلى ذروتها في حلَبة القتال والخدمة العسكرية. وفي ضوء هذا كلّه تستنتج أن الأدب العِبري كان مُنساقاً وراء تقديم هذا النموذج من الأمومة إلى حدٍّ تمّ فيه تجنّب حتى تمثيل شخصية أمّ تتَخيّل، بشكل عام، إمكان أنّ الحرب هي شرّ مُجَرّد وليست رغبة مُشتَهاة.
وكشفَت المؤلّفة، في سياق مُقابَلة صحافية أدلَت بها بالتزامن مع صدور الكتاب المذكور، أنها عندما ذهبت لتَعزية الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان، إثر مقتل ابنه إبّان  حرب تمّوز 2006 على لبنان، والتي كان فيها والدها يتولّى منصب رئيس الحكومة، فوجئت به يُبادِرها بالقول إنه "في ظلّ العلاقات المُشَوّهة مع الفلسطينيين، لا أعتقد أن بوسعِنا السماح لأنفسنا بعدم الخدمة في الجيش"! 
كما أعادَت إلى الأذهان أن مؤسّس إسرائيل ديفيد بن غوريون أطلَق لدى إنشاء الجيش الإسرائيلي بعد العام 1948 مَقولَته الشهيرة "لتَعلَم كلّ أمّ عِبريّة أنها تودِع مصير ابنها في أيدي قادة جديرين بتأدية مهمّاتهم"، واختار عَمْداً عدم القول "ليَعلَم كلّ الأهل"، لمَعرفته أن الأمّ هي الموكَلة عموماً بتغذية الولد، والحفاظ على سلامته فور ولادته، وهي التي ستُشرِف على تَنشئته وشحْن وعيه في كلّ ما يتعلّق بالانخراط في صفوف الخدمة العسكرية. ولا يقتصر هذا الدّور المُحَدّد للأمهّات على ما يفعلنَه حيال أولادهِن فقط، بل أيضاً ينسحب على ما سيُناط بالأجيال اللاحقة من الأمّهات.
مع ذلك، تَلفت أولمرت إلى أنه في تسعينيّات القرن العشرين الفائت، نُشِرَت بعض الأعمال الأدبيّة الإسرائيلية، التي حاوَلت أن تستأنف على هذا التمثيل الأدبيّ المُسبَق البرمجة والأدلجة لأمّ الجنديّ، وبدا آنذاك أن أصحابها مُتَأثّرون بنشاط منظّمات نسائيّة مُناهِضة للحرب الإسرائيلية على لبنان العام 1982، ومؤيّدة للانتفاضة الشعبية الفلسطينية العام 1987، وقدّموا نماذج لنساء يرفضن زَجّ الأولاد في أتون الحروب؛ لكن هذا الاتجاه سرعان ما انكفَأ على ذاته في الأعوام اللاحقة.
ومن قبيل المُفارَقة أنه قبل صدور كتاب أولمرت بعدّة أشهر، صدَر في إسرائيل كتاب آخر من تأليف الكاتبة ليهي لبيد، زوجة رئيس الحكومة السابق وعضو الكنيست يائير لبيد، بعنوان "أن تكوني أمّاً لجندي"، استهلّته بالقول: "أن تكوني أمّاً إسرائيلية يعني أن تعرفي منذ لحظة الولادة أنه يوماً ما سيَأتي دورُك لإرسال ابنك أو ابنتك إلى الجيش، لأنه ينبغي لنا أن نُحافِظ على الدولة"! 

2025-10-09 12:10:34 | 41 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية