التصنيفات » مقالات سياسية

دراسة إسرائيلية جديدة: ثمّة فُرصَة لإسرائيل والولايات المتحدة وشركائها لاتّخاذ خطوات تُقَيّد قدرة طهران على إعادة بناء "شبكة وكلائها"!
دراسة إسرائيلية جديدة: ثمّة فُرصَة لإسرائيل والولايات المتحدة وشركائها لاتّخاذ خطوات تُقَيّد قدرة طهران على إعادة بناء "شبكة وكلائها"!
15  سبتمبر 2025
• عبد القادر بدوي
• المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة 
منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة، قارَبت العديد من المقالات والتقارير الإسرائيلية التحوّلات السريعة التي شهِدتها المنطقة في أعقاب الحرب التي اتّسع نطاقها ليشمل لبنان، سورية، اليمن وإيران (والضفة الغربية بطبيعة الحال). مُعظَم هذه التقارير رَكّزَت على أبرَز ما حَقّقَته إسرائيل من "إنجازات" على الصعيد العسكري، في كلّ مُواجَهة مع مُكَوّنات محور المقاومة المَدعوم من إيران، وعلى المُواجَهة مع هذه الأخيرة نفسها، وسط استمرار الموقف الإسرائيلي الرسمي بأن هذه الحرب "وجوديّة" بالنسبة لإسرائيل، وتسعى من خلالها لتغيير وَجه الشرق الأوسط.
 هذه المُساهَمة هي الجزء الأوّل من قراءة مُوَسّعة لأبرَز ما تضمّنته دراسة إسرائيلية شاملة بعنوان:   "كسر المحوَر: إلحاق الضرَر بشبكة وكلاء إيران وتعطيلها"، أعَدّتها مجموعة كبيرة من الباحثين لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، وصدَرت قبل أيام قليلة، تُسَلّط الضوء على المُواجَهة العسكرية التي تخوضها  إسرائيل على جميع الجبهات، باستثناء قطاع غزة وإيران (نظَراً لأن الوضع لم يُحسَم فيها بعد)، حيث تَتَناول أبرَز ما تحقّق عسكرياً وسياسياً في: سورية، لبنان، الضفة الغربية، العراق واليمن؛ وتشتمل على توصيات لإسرائيل والولايات المتحدة للعمل وفقاً لها لضمان ترجمة "الإنجازات العسكرية" إلى "إنجازات سياسية" مَلموسة وواضحة لصالح إسرائيل. جديرٌ بالذّكر هنا أن الجزء الأوّل يتضمّن سورية ولبنان فقط، على أن يتم استكمال ذلك في الجزء الثاني. ومن الأهميّة بمَكان أن نُشير إلى أن الأفكار والمُصطَلحات الواردة  أدناه لا تُعَبّر عن مُعِدّ المُساهَمة أو مركز مدار، وإنّما مصدرها الدراسة نفسها.
*****
تُشير الدراسة في مُقَدّمتها إلى أن الشرق الأوسط يشهد تحوّلاً غير مَسبوق منذ هجوم حماس ("طوفان الأقصى") في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 والحرب الإقليمية التي تلَته، حيث اختبَرت الحرب في قطاع غزة، لأوّل مرّة، إمكانيّات إيران بتطبيق تصوّر (مفهوم) "وحدة الساحات"، عبر تفعيل جبهات  مُتزامِنة ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة. غير أن طهران عجزت عن تفعيل وكلائها لوقف الحرب، وحتى مَنع الهجوم الإسرائيلي عليها في حزيران 2025.
تنطلِق الدراسة من ادّعاء مفاده أن إسرائيل قد حَقّقت في العام 2024 نجاحات وإنجازات مهمّة ضدّ محور المقاومة، وتسبّبَت بخسائر فادحة في صفوف التنظيمات والحركات المُنضَوية في إطاره، بما في ذلك على مستوى القادة والمُقاتِلين والقدرات. وبالتوازي، فقَدت إيران قاعدة استراتيجيّة هامّة مع سقوط نظام بشّار الأسد في سورية، الذي شَكّل محوراً لنقل الدعم إلى حزب الله بلبنان؛ وبذلك تعرّضت القدرات العسكرية الإيرانية وحلفاؤها لضربة غير مَسبوقة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وعلى الرّغم من ردّ إيران بهجومين كبيرين على إسرائيل، في نيسان وتشرين الأوّل 2024، أظهَرت النتائج (بحسب الادّعاء) أن مُعظَم الصواريخ والطائرات المُسَيّرة تمّ التصدّي لها. من ناحية ثانية، أظهَر اغتيال إسماعيل هنيّة في طهران والهجَمات داخل إيران هشاشة الجمهورية الإسلامية وضعف قدرتها على الردع. من ناحية ثالثة، في حزيران 2025، شَنّت إسرائيل والولايات المتحدة هجَمات مُكَثّفة على البرنامج النووي والصاروخي الإيراني عبر قصف جويّ وعمليات سريّة. وخلال الحرب التي استمَرّت 12 يوماً، لم تَستجِب التنظيمات المَدعومة من إيران بصورة تُذكَر، بفعل الضربات العسكرية والضغوط الداخلية، والخشية من ردٍ قاسٍ، حيث اكتفى محور المقاومة بإدانات سياسية. 
إنّ هذه الإخفاقات العسكرية - بحسب الدراسة - تَزامَنت مع بيئة سياسية جديدة غير مُريحَة لإيران في لبنان وسورية، وذلك في الوقت الذي تستعدّ فيه العراق لانتخابات برلمانية في تشرين الثاني 2025 وسط خلافات داخل "إطار التنسيق الشيعي". إنّ هذه التطوّرات كلّها، من شأنها أن تُضعِف قدرة إيران على التأثير في الساحة الإقليمية مُستَقبلاً؛ لكن ذلك لا يعني أن المحور قد هُزِم كلّياً، حيث ما تزال لدى طهران أصول عسكرية كافية للاستمرار في تهديد الاستقرار الإقليمي. ومن المُتَوَقّع أن تستثمر إيران كثيراً في إعادة بناء وترميم المحور.
بناءً على ذلك، تؤكّد الدراسة أن الولايات المتحدة تمتلك فرصة غير مَسبوقة لاستغلال هذه التطوّرات، شَريطة أن تبقى مُنخَرطة في المنطقة، وألّا تنسحب منها، إذ إنّ المطلوب ليس نَشْر قوّات، بل توظيف أدوات الشراكة مع دول الخليج وأوروبا وإسرائيل لتوجيه المساعدات إلى المنطقة وجذب الاستثمارات، حيث يُمكِن لواشنطن قيادة ائتلاف إقليمي لبناء بنية تعاون اقتصادي جديد، خصوصاً في سورية ولبنان، ومع انتهاء الحرب على غزة. هذا الإطار لا يُعلِن عداءً صريحاً لإيران، لكنّه يُقَدّم بديلاً لرؤيتها ومشروعها، عبر تقوية الحكومات وتوسيع "الاقتصاد الشرعي"، بما يحدّ من قُدرة طهران وحلفائها على التمويل؛ غير أن تقليص أدوات القوّة الناعمة الأميركية  )مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID  يُهَدّد مثل هذا المَسار ويُضعِفه. من ناحية أخرى، يُعَدّ نجاح الحكومات الإقليمية أمراً ضرورياً لمَسار مُحتَمَل لمُفاوَضات نووية جديدة، حيث أن اتفاقاً بين الولايات المتحدة وإيران قد يؤدّي إلى رفع العقوبات مُقابِل قيود مُشَدّدة، أو تفكيك البرنامج النووي، ما يُعَزّز الاقتصاد الإيراني ويوفّر مَوارِد لإعادة بناء المحور؛ ولإيران خبرة طويلة في استغلال الفراغ الذي تُخَلّفه الحكومات الضعيفة.
تُرَكّز الدراسة على حلفاء إيران وسُبُل منع إعادة تنظيمهم وترميم قوّتهم. وثمّة فرصة أمام  الولايات المتحدة وشركائها لاتخاذ خطوات تُقَيّد قدرة طهران على إعادة بناء المحور، مثل تضمين أيّ اتفاق مُستَقبَلي بنوداً تَحظر الدعم الاقتصادي والعسكري للحلفاء، والعمل مع شركاء إقليميين لمُراقَبة ومنع تهريب السلاح والتمويل والتدريب. ولأنّ الوضع في غزة ما يزال مُتَحَرّكاً بسبب استمرار الحرب، فإنّ الدراسة لا تَتناول مكانة حماس والجهاد الإسلامي.
سورية
تُشير الدراسة إلى أن سقوط نظام الأسد في كانون الأوّل 2024 وَجّه ضربة قاسية لقدرة إيران على تفعيل القوّة في الشرق الأوسط، حيث استُخدِمت سورية على مدى عقود كمَمَرّ لنقل المُقاتلين، السلاح والأموال إلى حلفائها، وخاصّة إلى حزب الله في لبنان. من ناحية أخرى، سمَح نظام الأسد للتنظيمات الفلسطينية المسلّحة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، بامتلاك مَكاتِب في دمشق وتجنيد عناصر من مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين (انفصلَت حماس عن النظام العام 2011 واصطّفت ضدّه، قبل أن تعود وتتصالح معه العام 2022. أما حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، فما تزال تحتفظ حتى اليوم بمَقَرّ لها في دمشق).
بعد اندلاع الحرب الأهليّة  في سورية العام 2011، امتنَعت إسرائيل في البداية عن التدخّل، وراقَبت عن كثب التهديدات المُحتمَلة من التنظيمات الجهادية ومن تنامي قوّة إيران وحزب الله. لكن في العام 2013، بدَأت إسرائيل العمل عسكرياً باستراتيجيّة "المَعارك بين الحروب"، التي شملت آلاف الغارات الجويّة  ضدّ مُقاتِلين، أسلحة، معدّات وبنى تحتيّة مُرتَبِطة بإيران وحزب الله على مدى عشر سنوات. ومع انضمام روسيا للحرب إلى  جانب نظام الأسد العام 2015، ونَشْرِها لأنظمة دفاع جويّ مُتَقَدّمة قادرة على تهديد حريّة عمل إسرائيل في الأجواء السورية، اتّفقت إسرائيل وروسيا على تنسيق التحرّكات وحركة الطائرات، ما أتاح لهما مُواصَلة العمل مع تقليل المَخاطر على الطائرات وأطقُمها. وقد استمرّ ذلك حتى سقوط نظام الأسد في كانون الأوّل 2024، ووصول هيئة تحرير الشام إلى الحُكم؛ وهو الأمر الذي خلَق فُرَصاً ومَخاطِر للمَصالح الإسرائيلية والأميركية معاً (حتى آب 2025، لم يكن مَسار التحوّل السياسي في سورية واضحاً بالنسبة لإسرائيل؛ لكن موقف الحكومة الجديدة تجاه إيران وحزب الله واضح).
تؤكّد الدراسة أن الولايات المتحدة وإسرائيل تَتشاركان القلَق من احتمال استغلال إيران وحُلَفائها للوضع الأمني الهش في سورية، حيث تُشَكّل الغارات الإسرائيلية على أهداف تابعة للحكومة السورية الجديدة (من بينها كجزء من دعم إسرائيل للطائفة الدرزية) والوجود العسكري الإسرائيلي في جنوب غرب سورية، الذي سُرعان ما أصبح عبئاً يُثير المُعارَضة لدى الحكومة الجديدة والرأي العام السوري، لتقويض استقرار سورية، ما يسمح بعودة النشاط الإيراني، ويُعَزّز رواية إيران بأن إسرائيل قوّة ذات طموحات توسعيّة. لذلك، فإن الحوار مع الحكومة السورية الجديدة يخدم بصورة أفضل مصالح إسرائيل؛ وقد بدَأ هذا المسار بحَذر في نيسان الماضي (تقارير أشارت إلى مُحادَثات مُباشِرة بين الجانبين في الإمارات). ومع ذلك، يجب أن يُشتَرط مثل هذا الحوار بسلوك مسؤول من النظام، بما في ذلك الحفاظ على أمن الحدود وتجنّب عنف إضافي ضدّ الأقليّات في سورية.
إن الفُرصَة المُتاحة للولايات المتحدة ولإسرائيل وللقوى الإقليمية لإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي أمام إيران تتم عبر دعم الحكومة الجديدة في سورية. وعلى المدى الطويل، فإن سورية مُستَقِرّة تتعاون مع دول الخليج، الولايات المتحدة وتركيا العضو في الناتو، ستكون أفضل بكثير من سورية مُجَزّأة يتسنى فيها للحركات الجهادية، أو المجموعات المَدعومة من إيران الازدهار.
وعليه، تقترح الدراسة جملة من التوصيات لإسرائيل والولايات المتحدة على النحو التالي:
على صعيد الولايات المتحدة:1) الحفاظ على انخراطها الدبلوماسي في تعزيز الحكومة السورية الجديدة وتوسيعه، بالإضافة إلى الوجود العسكري الميداني؛ 2) دعم جهود الوساطة لضمان التوصّل لاتفاق بين القيادة الدرزيّة والحكومة الجديدة، وكذلك تشجيع المفاوضات بين الأخيرة وقوّات سورية الديمقراطية؛ 3) تنفيذ برنامج تدريبي تجريبي لوحدات النخبة في الحكومة الجديدة، لبناء الانضباط والمهنيّة في الجيش وتعزيز العلاقات الأميركية- السورية (يُمكِن الاسترشاد بنموذج مكتب المُنَسّق الأمني الأميركي في القدس لتدريب قوّات أمن السلطة الفلسطينية، وإلى برنامج التدريب الأميركي لقوّات مُكافَحة الإرهاب في العراق)؛ 4) تخفيف العقوبات الأميركية على سورية وتطوير آليات مساءلة للحكومة الجديدة، تَضْمَن توجيه رسالة واضحة للحكومة السورية الجديدة بشأن التوقّعات منها، مثل: تفكيك التنظيمات الفلسطينية المسلّحة، منع نقل السلاح إلى حزب الله... إلخ.
على صعيد إسرائيل: 1) نظام تفاهمات مُستَقر مع الحكومة الجديدة كأساس لشراكة أوسع مستقبلاً، والامتناع عن التدخّل في الشأن السوري الداخلي (بما في ذلك بين الدروز والأقليّات الأخرى)؛ 2) الامتناع عن التصريحات العلَنيّة الداعمة لتفكيك سورية؛ 3) استخدام الخط الساخن مع تركيا (العامِل على  مَدار الساعة) لتجنّب الحوادث بين الجيش الإسرائيلي والجيش السوري؛ 4) تقييد الغارات الجويّة والاقتحامات البريّة لتجنّب تقويض الحكومة وشعبيّتها؛ 5) تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين في مناطق سيطرة الجيش، والتعاون مع دول في المنطقة في مشاريع بنية تحتيّة قد تُمَهّد لتطبيع العلاقات في المستقبل.
لبنان
 
تُشير الدراسة إلى أن حزب الله - الفاعل اللادولتي المُسَلّح والأقوى في العالم، والذي شَكّل درّة تاج محور المقاومة، ويمتلك ترسانة هائلة من الصواريخ، الصواريخ الباليستية والطائرات المُسَيّرة، والذي شَكّل عامل ردع مركزياً ضدّ أي هجوم إسرائيلي مُباشِر على إيران - تَكَبّد خسائر فادحة منذ بدء المواجهة مع إسرائيل، خاصّة بعد أن صَعّدت إسرائيل عملياتها العسكرية ضدّه في أيلول 2024، قبل أن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في تشرين الثاني 2024. تُشير الدراسة إلى أن حزب الله فَقَدَ خلال المُواجَهة نحو 5,000 مُقاتِل وآلاف آخرين جرحى (بمن فيهم القادة العسكريون والسياسيون الكبار للحزب، وفي مُقَدّمتهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله الذي قاد المنظّمة على مَدار سنوات طويلة). من ناحية أخرى، تُشير إلى أنه وفقاً لتقديرات الجيش الإسرائيلي، فإنه قد تمّ تدمير 80% من صواريخ الحزب (التي يصل مَداها حتى 40 كيلومتراً).
تؤكّد الدراسة على أن الحزب يُعاني بعد وقف إطلاق النار كثيراً؛ لكنه يُحاول التعافي، وهو يواجه سلسلة من التحدّيات، مثل: الاستهداف العسكري اليومي والمُستَمر من قِبَل إسرائيل، التي تَضْمَن لنفسها حريّة الحركة كما هو منصوص في اتفاق وقف إطلاق النار؛ صعوبات تفرضها القيادة السياسية الجديدة في لبنان؛ فقدان العمق الاستراتيجي بعد انهيار نظام الأسد في سورية؛ ونقص في الموارد المالية، حيث يفتقر الحزب إلى الموارد التي تسمح له بترميم وبناء جنوب لبنان (بيئة الحزب)؛ علاوةً على أن خليفة نصر الله، نعيم قاسم، لا يملك الكاريزما والقوّة اللازمتين لإثبات الثقة في مستقبل المنظّمة داخل لبنان. 
وعلى الرّغم من ذلك، ما تزال إيران مُصَمّمة على الاستمرار في دعم الحزب حتى بعد سقوط حليفها السوري والضرَر الذي لحق بها في الحرب مع إسرائيل، إذ تُواصِل جهودها لتهريب السلاح والتمويل لحزب الله، وذلك من أجل إعادة بناء قدراته على تهديد إسرائيل واستعادة الردع ضدّ الضربات الإسرائيلية المستمرّة (يُشَكّل سقوط الحليف السوري لإيران عقَبة مركزية أمام إعادة تأهيل حزب الله؛ وقد بدا ذلك واضحاً في عدم استعداده أو غياب قدرته على مُهاجَمة إسرائيل تضامناً مع إيران خلال حرب الـ 12 يوماً في حزيران 2025).
لقد أدّى ضعف الحزب في لبنان إلى ظهور قيادة لبنانية جديدة تُعارِض النفوذ الإيراني (على مستوى الرئاسة والحكومة). وهذا التحول يُقَدّم فُرَصاً للولايات المتحدة، ولإسرائيل وقوى إقليمية أخرى، بحسب الدراسة. وقد لاقَت هذه التغيّرات ترجمتها في إصرار الحكومة والجيش على تنفيذ شروط وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ونزع سلاح الحزب، وتفكيك قدراته وبنيته التحتية العسكرية (الحكومة قالت إن الجيش فكّك 90% من قدرات الحزب جنوب نهر الليطاني). من ناحية أخرى، يعود ضعف القيادة الجديدة في لبنان لضعف الجيش نفسه، وهو ما يمنعها من مُواجَهة حزب الله خوفاً من إشعال حرب أهليّة أخرى. ورغم ذلك تسعى الحكومة إلى الالتزام بمَطالِب الولايات المتحدة وإسرائيل وتفكيك سلاح الحزب وسلاح التنظيمات الفلسطينية المُسَلّحة؛ لكن ذلك يحتاج إلى دعم الجيش وتقديم المزيد من التأهيل والتدريب والمَوارد والمعدّات والأسلحة المُحَسّنة، ليتمكّن من إنجاز المهمّات الصعبة المَنوطة به للسيطرة على كامل الأراضي اللبنانية.
تُشير الدراسة إلى أن القضية الأكثر إلحاحاً للحكومة اللبنانية اليوم هي الاقتصاد (مَرّ لبنان بانهيار اقتصادي العام 2019). كما أن المُواجَهة بين حزب الله وإسرائيل فاقَمت من الأزمة الاقتصادية الصعبة؛ وهو ما يخلق فرصةً أمام إيران لاستعادة موقعها. مُقابِل ذلك، هناك فرصة كبيرة الآن لدى الولايات المتحدة، إسرائيل والجهات الإقليمية أو الدولية، لتعزيز الدولة اللبنانية للحدّ من النفوذ الإيراني ومَنع حزب الله من إعادة بناء قوّاته وترسانته؛ وذلك على النحو التالي:
في المجال الأمني:1) دعم الجيش اللبناني بشكل عاجل وعلى كافّة المستويات؛ 2) تطوير آليّات مُساءلة للتأكّد من أن السلاح، المعدّات والتمويل، المُوَجّهة لجيش لبنان لا تقع في يَدِ الحزب؛ 3) حشد مانحين إضافيين، بمن فيهم قوى أوروبية ودول الخليج، لدعم حكومة لبنان وجيشها؛ 4) تشجيع لبنان على نزع سلاح التنظيمات الفلسطينية في المخيّمات؛ 4) حثّ إسرائيل على التحلّي بـ "ضبط النفس" عند مُهاجَمة لبنان، حتى لا تضرّ بجهود القيادة الجديدة في لبنان.
أما في موضوع إعادة الإعمار والاقتصاد( 1: العمل مع المجتمع الدولي لتمويل آليّة إعادة إعمار جنوب لبنان، مع إشراف على طرد الحزب والقدرة على ضمان ألّا تُبنى المناطق وفقاً لمخطّطاته؛ 2(  دعم جهود لبنان للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي ومُساعَدة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة؛ 3) الاستمرار في فرض عقوبات على المُمَوّلين ومُهَرّبي السلاح الداعمين لحزب الله خارج لبنان.
أما التوصيات لإسرائيل، فتَقتَرح الدراسة ما يلي: 1) توضيح أن الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الاستراتيجيّة الخمس في جنوب لبنان مؤقّت، مع ربط الانسحاب برحيل الحزب وتدمير البنية التحتيّة العسكرية في جنوب لبنان؛ 2) الاستمرار في استخدام آليّة الإخطار والتنسيق للجنة الخماسيّة برئاسة الولايات المتحدة مع حكومة لبنان وجيش لبنان، وفق شروط اتفاق وقف  إطلاق النار، لكي يتحمّلوا مسؤولية التهديدات من حزب الله، أو لإتاحة المجال لإسرائيل للتعامل معها من دون الإضرار بسلطة حكومة لبنان؛ 3) تخطيط عملية مُتَدَرّجة لتفكيك مُحتَمل لليونيفيل، مع تعزيز قدرات الجيش اللبناني؛ 4) إقامة  قناة تواصل، حتى وإن كانت بشكل غير مُباشِر، مع الحكومة اللبنانية؛ 5) الامتناع عن مُمارَسة ضغط على الحكومة اللبنانية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بينما تتعامل مع تحدّيات داخلية؛ 6) تشجيع لبنان على نزع سلاح المخيّمات الفلسطينية؛ 7) الاستمرار في تدمير شحنات الأسلحة المُوَجّهة للحزب الله في أيّ مكان تُكتَشف فيه، ومُراقَبة وإحباط أيّ مُحاوَلة منه لاستخدام التجمّعات الشيعية والبنى التحتيّة خارج لبنان لإعادة بناء قوّته. 

2025-09-29 12:29:28 | 74 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية