التصنيفات » مقالات سياسية

ماذا يقف وراء التلويح بـ"خدَمات إسرائيل الأمنيّة" للولايات المتحدة؟
ماذا يقف وراء التلويح بـ"خدَمات إسرائيل الأمنيّة" للولايات المتحدة؟
15 سبتمبر 2025
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة 
• أنطوان شلحت
تزداد في الآونة الأخيرة التقديرات في إسرائيل التي تتوقّع أن تنحو العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في اتجاه اتّساع الشرخ وأزمة آخذة في التفاقم، على خلفيّة آخر المُستَجدّات، ولا سيما الحرب على غزة، والتي اتّسمت بأنها حرب متعدّدة الجبهات، آلَت، من ضمن أمور أخرى، إلى اندلاع  أوّل مُواجَهة عسكرية مع إيران.
وتَطرّقَت إلى هذا الموضوع، في شهر آب المُنصرِم، ورَقة  تقدير موقف صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، حمَلت العنوان التالي: "أزمة خطِرة في مَكانة إسرائيل في الولايات المتحدة: تهديد استراتيجي آخذ  في التشكّل"، خلصت إلى القول: تُواجِه مَكانة إسرائيل في الولايات المتحدة أزمة غير مسبوقة. فالتأييد الأميركي التقليدي لإسرائيل تآكَل على نحوٍ كبيرٍ في أوساط جمهور الحزب الديمقراطي، وحتى بين أجزاء من جمهور الحزب الجمهوري. وبرَز هذا الأمر على نحوٍ خاصٍ لدى الأجيال الشابّة في الحزبيْن. 
وَوِفقاً للورَقة، تُظهِر آخر استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة أن مواقف الجمهور الأميركي من إسرائيل مُتَأثّرة إلى درجة كبيرة بشكل مُباشِر من سلوك إسرائيل في الحرب الحالية والأوضاع الإنسانية في قطاع غزة. وهذا التطوّر من شأنه أن يضع صعوبات جَمّة أمام أي قيادة أميركية في المستقبل في كلّ ما يتعلّق بجوهر التزاماتها حيال إسرائيل.
كذلك يُمكِن قراءة مثل هذه التقديرات في تعليقات العديد من الكتّاب والمُحَلّلين، ولا سيما من المَحسوبين على اليمين الإسرائيلي. ولعلّ أبرزهم زلمان شوفال، السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، الذي أشار إلى ازدياد تصوير إسرائيل ككيان كولونيالي وتشبيه مُمارَساتها ضدّ الشعوب العربية بمُمارَسات قمع السّود في الولايات المتحدة ("معاريف"، 2/9/2025). كما نَوّه بأنه على الرّغم من الدعم الكبير لإسرائيل في صفوف الرأي العام الأميركي، فإن نسبة التأييد لها بين أنصار الحزب الديمقراطي انخفضت بشكل مَلحوظ، في مُقابِل ارتفاع مُلفِت في الدعم للفلسطينيين. كذلك فإنّ "الصّدمة" التي أحدَثها هجوم حماس يوم 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، بدأت تُخلي مكانها لردّات فعل سلبية حقيقية تجاه الحرب الإسرائيلية في غزة، وتشمل سياسيين من الجالية اليهودية. وما يُقلِق بشكل خاص، في قراءته، هو ازدياد المَيْل إلى منع إسرائيل من الحصول على السلاح ووسائل القتال، الأمر الذي يجعل الصيغة التقليدية، والتي تفيد أنه "يجب تمكين إسرائيل من الدفاع عن نفسها"، فارِغة من مضمونها. وبحسب تقديراته، فإن الصراع الأميركي الداخلي بهذا الخصوص لم يُحسَم بعد؛ وإعلان إلغاء المساعدات الأمنيّة جرى تأجيله في الوقت الراهن، لكنه لم يُشطَب من جدول الأعمال كليّاً. كما أن مُقتَرح اتخاذ قرار في قيادة الحزب الديمقراطي لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطينية رُفِضَ مؤقّتاً. ولكن حسبما عبّر أحد أعضاء مجلس النوّاب من كاليفورنيا، فإن "العلاقة مع إسرائيل ستكون الموضوع الحاسم في الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفيّة، وعلى أعتاب انتخابات 2028".
ومن المُلاحَظ  أنه مع تصاعد الانشغال في إسرائيل يوماً بعد يوم بالوجهة العامّة التي تعتزم الولايات المتحدة السّيْر نحوَها في إثر انتهاء ولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب، ولا سيما في ضوء مؤشّرات قويّة تدلّ على أنها على أعتاب تغييرٍ ما في المُقارَبة المتعلّقة بسياستها الخارجية، وما قد يترتّب على ذلك  من تأثير في سياسة اليمين الإسرائيلي الحاكِم، ترتفع أصوات كثيرة تُعرِب عن ثقتها بأن الإدارات الأميركية المُقبِلة ستَعرف كيف تَفْصل بين الثانوي والأساس، وأنها حينما ستَنظر إلى خريطة منطقة الشرق الأوسط "ستُشاهِد أن هناك دولة واحدة مُستَقِرّة وحليفة حقيقية لهم في المنطقة هي إسرائيل"، بحسب ما أكّد أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين السابقين. بمُوازاة ذلك، ارتأى المُقَرّبون من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إطلاق موسم التلويح بـ "الخدَمات الأمنيّة" التي تُقَدّمها إسرائيل للولايات المتحدة، وتُعتَبَر برأيهم أفضل ضمان لصيانة "العلاقات الخاصّة" بين الدولتين في المدى البعيد.
ما يُمكِن أن نستقطره ممّا يكتبه هؤلاء أن العلاقات الأمنيّة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتّسم بطابع خاص، يعتقدون أنه لا يَقدِر عليه أيّ تبدّل للإدارات الأميركية. ويُشارُ بهذا الشأن تحديداً إلى أنه منذ هجَمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 تبدو العلاقات الأمنيّة بين البلَدين أوثق من أيّ وقتٍ مضى، في ظلّ الخطَر الجديد المُتَمَثّل بـ "الإرهاب العالَمي"؛ ولكنها كانت وثيقة أيضاً في ما سبَق.
وممّا جرى التوقّف عنده بشأن هذه العلاقات الأمنيّة والخدَمات التي تضطلع إسرائيل بتقديمها إلى الولايات المتحدة، ما يلي، على سبيل المثال وليس الحصر:
أوّلاً، منذ يوم 27 كانون الأوّل 1962، قال الرئيس الأميركي جون كينيدي لوزيرة الخارجية  الإسرائيلية في ذلك الوقت، غولدا مائير، إن "للولايات المتحدة علاقات خاصّة مع إسرائيل في الشرق الأوسط، يمكن  مُقارَنتها فقط بالعلاقات التي تربطها مع بريطانيا فيما يختص بسلسلة طويلة من المسائل الدولية". وفي أثناء الحرب الباردة (بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق)، كانت هناك مَصالِح استراتيجية مُشترَكة للبلَدين في كبح العدوانيّة التي كانت سِمَة مُلازِمة لدول تحت رعاية الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط؛ ولاحَت تلك المصالح في أفُق العلاقات الثنائية مع تدخّل مصر عبد الناصر في الحرب اليمنيّة.
ثانياً، في العام 1981 أقدَمت إسرائيل على تدمير مفاعل تمّوز النووي في العراق، إبّان حُكم الرئيس صدّام حسين، ما تسبّب بمسّ قدراته العسكرية على نحو كبير. وبعد عشرة أعوام، في تشرين الأوّل 1991، وفي إثر تدخّل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، شكَر وزير الدفاع الأميركي، ريتشارد تشيني، إسرائيل على الهجوم الذي قامت به قبل عقد، والذي وصفَه بأنه "عمل جَسور ودراماتيكي".
ثالثاً، في سياق الشهادة التي أدلى بها أمام لجنة القوّات المسلّحة في مجلس النوّاب الأميركي، يوم 15 آذار 2007، قال الجنرال بنتس ج. كرادوك، قائد منطقة أوروبا في الجيش الأميركي، إن إسرائيل  كانت بمَثابة "الحليف الأقرَب" للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ودعمَت المَصالِح الأميركية "بشكل مُثابِر ومُباشِر". ويُشَدّد المُقَرّبون من نتنياهو أن هذا التقدير مهني صرف، ومن شأنه أن يسحب البساط من تحت أقدام القائلين إن إسرائيل تُشَكّل عبئاً استراتيجياً، ولا تعود بأي مَنافع على المَصالِح القومية الأميركية. 
رابعاً، بسبب أن كثيراً من الموضوعات المُرتَبطة بالعلاقات الاستراتيجية الأميركية- الإسرائيلية تَلُفّها السريّة المُطلَقة أو الغموض الكبير، ولا سيما على مستوى التعاون في المجال الاستخباراتي، فمن شبه المستحيل أن يُتاح أمام الدارسين والمُحَلّلين إمكان تقويم القيمة الحقيقية لهذه العلاقات. وبالرّغم من ذلك، ففي العام 1986 قال الجنرال جورج ف. كيغن، الذي خدَم في استخبارات سلاح الجوّ الأميركي، إنه ما كان سيَنجح في جمع المَواد الاستخباراتية التي حصل عليها من إسرائيل، حتى لو كانت تحت تصرّفه "خمس وكالات استخبارات على غرار سي. أي. إيه". وورَدت أقواله في سياق مُقابَلة صحافيّة في الوقت الذي كانت فيه الحرب الباردة في ذروتها؛ وأضاف خلالها قائلاً: "إن قدرة سلاح الجو الأميركي خصوصاً، والجيش عموماً، على الدفاع عن مَكانَتهما في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مَدينةٌ للاستخبارات التي تُزَوّدهما إسرائيل بها أكثر من أيّ مصدر استخباراتي آخَر"!! 

2025-09-29 12:26:57 | 49 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية