التصنيفات » مقالات سياسية

تقدير موقف | مَضامين مُقتَرح الاتفاق الأمني بين سورية و"إسرائيل" وتداعياته

تقدير موقف | مَضامين مُقتَرح الاتفاق الأمني بين سورية و"إسرائيل"  وتداعياته

يَعكِس المُقتَرح الإسرائيلي مُحاوَلةً لفَرْض واقع سياسي وميداني جديد، بحيث تُصبح مساحات شاسعة من الجنوب السوري شبه مَعزولة عسكريًا عن سلطة سورية، وتحت رقابة مُباشِرة أو غير مُباشِرة من جانب "إسرائيل".

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
 21/9/2025

تشهد المفاوضات السورية - الإسرائيلية تسارعًا ملحوظًا، تتخلّله ضغوط كبيرة يُمارسها المبعوث الأميركي إلى سورية، توم برّاك، للتوصّل إلى اتفاق قبل انعقاد الدورة الثمانين لاجتماعات الجمعية العامّة التابعة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي تنطلق في 23 أيلول/ سبتمبر الجاري. وقد أشار الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى احتمال التوقيع على اتفاق مع "إسرائيل" أثناء وجوده في الولايات المتحدة الأميركية، قائلًا: "نحن قريبون جدًّا من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بوساطة أميركية". وعلى الرّغم من تأكيده أن "الاتفاق مع إسرائيل سيكون مُشابِهًا لاتفاق فصل القوّات لعام 1974، وأنه لا يعني تطبيع العلاقات أو انضمام سورية إلى اتفاقيات أبراهام"[1]، فإنّ وزارة الخارجية السورية أفادَت في المُقابِل أن الاتفاق، المُزمَع توقيعه في أيلول/ سبتمبر الجاري، يُعَدّ جزءًا من "سلسلة من الاتفاقات المُتَتالية" التي ستُبرَم قبل نهاية عام 2025 مع الجانب الإسرائيلي[2].
مُفاوَضات تحت النار
بعد سقوط نظام بشّار الأسد في 8 كانون الأوّل/ ديسمبر 2024، شهدت الجبهة السورية - الإسرائيلية تحوّلات ميدانيّة وأمنيّة عميقة؛ إذ استغلّت حكومة بنيامين نتنياهو انهيار جيش النظام السوري، لتُعلِن انتهاء العمل باتفاق "فصل القوّات" لعام 1974 "لأنّ أحد الطرفيْن لم يعد قادرًا على تنفيذ بنودها"[3]؛ واقتحَمت على إثر ذلك المنطقة العازلة في هضبة الجولان (235 كيلومترًا مُرَبّعًا) التي نشأت بموجب الاتفاق واحتلّتها. ووَسّعت أيضًا نطاق سيطرتها وتوغّلاتها في الأراضي السورية، بمساحة إجماليّة وصلت إلى نحو 600 كيلومتر مُرَبّع. وعلى نحوٍ مُوازٍ لذلك، شَنّت "إسرائيل" حملة جويّة واسعة، أسفَرت عن تدمير الجزء الأكبر من أسلحة الجيش السوري ومعدّاته. وقد بلغت الغارات الإسرائيلية، في تمّوز/ يوليو 2025، مُحيط القصر الرئاسي في دمشق، خلال الأحداث التي شهِدتها مُحافَظة السويداء. وفي هذا السياق، بدأت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، برعاية مُفاوَضات مباشرة بين "إسرائيل" وسورية، تنقّلت بين باكو وباريس ولندن، آملةً أن تُضمّ سورية في نهايتها إلى سلسلة "الاتفاقات الإبراهيميّة" التي كانت إدارة الرئيس ترامب أطلقَتها خلال ولايته الأولى (2017-2020). وكان ترامب قد وَجّه خلال لقائه أحمد الشرع في الرياض، في 14 أيار/مايو الماضي، دعوةً إلى سورية للانضمام إلى مسار اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل"، مُتَعَهّدًا في المُقابِل برفع العقوبات المفروضة عليها[4] . وقد بَدا واضحًا الربط الأميركي بين المسارَيْن (تحقيق تقدّم في المفاوضات مع إسرائيل، في مُقابِل رفع العقوبات عن سورية)، في تحرّكات وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الذي تَوَجّه إلى واشنطن لبحث مسألة رفع العقوبات عن سورية[5]، بعد أن بحث في لندن مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، بحضور المَبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، توم برّاك، مسودّة اتفاق أمني جديد قَدّمته إسرائيل لسورية[6]. وقد سبَق ذلك نقاشات في باريس، رَكّزت على خفض التصعيد، إضافة إلى مُراقَبة وقف إطلاق النار في مُحافَظة السويداء؛ وهو ما قد جرى التوصّل إليه بوساطة أميركية في تمّوز/ يوليو 2025، وإعادة تفعيل اتفاق 1974. ومع أن الاتفاقات المُزمَع التوقيع عليها هي اتفاقات أمنيّة وفقًا للتصريحات، فإن المفاوضات لم تَجْرِ بين عسكريين، بل بين سياسيين على مستوى رفيع في لقاءات مُباشِرة.
ملامح الاتفاق الأمني المحتمل بين سورية و"إسرائيل"
تسعى إدارة الرئيس أحمد الشرع إلى إحياء اتفاق فصل القوّات لعام 1974، مع استعدادها لقبول تعديلات عليها (اتفاق 1974 "بلس")، في حين تهدف "إسرائيل" إلى فَرض اتفاق جديد، مُستَفيدةً من حالة الضعف التي تُعانيها سورية، وتَعَثّر حكومتها الجديدة في إيجاد توافقات وطنية تحفظ وحدة البلاد واستقرارها. وبناءً على ذلك، قَدّمت "إسرائيل" لسورية مُقتَرحًا مُفَصّلًا لاتفاقية أمنيّة جديدة تتعلّق بجنوب غرب البلاد، قبل أن يلتقي ديرمر بالشيباني، في لندن، لمُناقَشته، يوم 17 أيلول/ سبتمبر[7].
لم تُكشَف التفاصيل الكاملة للاتفاقية بعد. لكن جوهرها يرتكز، بحسب تقارير إعلامية، على التزامات إسرائيلية بسحب قوّاتها تدريجيًا إلى خطوط اتفاق فصل القوّات لعام 1974[8]، باستثناء موقعين مُتَقَدّمين في جبل الشيخ[9]، وتأجيل البحث في مسألة البتِّ في مصير مُرتَفعات الجولان. وفيما تلتزم سورية بمنع استخدام أراضيها لِشَنّ هجمات ضدّ إسرائيل، تلتزم "إسرائيل" بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لسورية والاعتراف بحكومة أحمد الشرع (!). وهذا أمرٌ غريبٌ ومُستَهجنٌ أن تحتاج سورية إلى أن تعترف إسرائيل، وهي دولة عدوّ تحتلّ أراضيها، بحكومتها. وتشمل ترتيبات يجري فيها تقسيم جنوب سورية إلى ثلاث مناطق، في مُحاكاة لاتفاقية كامب ديفيد مع مصر (بخلاف أن مصر استعادت أراضيها المحتلّة كاملة، أي استعادت سيناء)، لكلٍ منها قواعد مُحَدّدة لأنواع القوّات والأسلحة المسموح بها، مع حَظْر وجود عسكري أو أسلحة ثقيلة في المنطقة العازلة، والسماح بوجود الشرطة وقوّات الأمن الداخلي فقط. وهو ترتيب وافقَت عليه مصر في سيناء، وفاوَضت عليه سورية سابقًا ليكون في الجولان، أي الأرض المحتلّة المُستَعادة، على أن تُقابِله "إسرائيل" بمناطق مُوازِية منزوعة السلاح في أراضيها. ولكن فَرْضَ هذا الترتيب على المناطق الواقعة جنوب دمشق، يَعني نقل التعامل مع الجولان إليها، بدَلًا من استعادته. وينص المُقتَرَح، أيضًا، على توسيع المنطقة العازلة بمقدار كيلومترين على الجانب السوري، وأن تُخَصّص المنطقة بأكملها من جنوب دمشق حتى الحدود منطقةَ حَظْرٍ جويّ للطائرات السورية. ويُفصِح المُقتَرح الإسرائيلي عن مُحاوَلة لإعادة هندَسة الجنوب السوري أمنيًا عبر تقسيمه إلى نطاقات جغرافية مُتَمايزة، لكلٍّ منها وضعٌ خاصٌ به يُقَيّد السيادة السورية؛ وهي تشمل:
- المنطقة الصفراء (محتلّة فعليًا): يبقى هذا الشريط تحت السيطرة الأمنيّة الإسرائيلية، ويُعَدّ قاعدة انطلاق لعمليات استخباراتية وعسكرية ذات طابع استراتيجي بالنسبة إلى "إسرائيل".
- المنطقة الزرقاء (شريط فصل القوّات): هي المنطقة المُجاوِرة مُباشَرةً للحدود، والمعروفة تاريخيًا بمنطقة فصل القوّات وفق اتفاق 1974، المتعلّق بإدارتها تحت رقابة دولية (مثل قوّة مُراقَبة).
- المنطقة الحمراء (المنطقة المُقترَحة منزوعة السلاح): تمتد بعمق داخل الأراضي السورية، وتمثّل نطاقًا يَحظُر فيه وجود أسلحة ثقيلة من الجانب السوري، وربما قيودًا على الوجود البشري العسكري المُنَظّم، من دون وجود ترتيبات تُقابِلها على الجانب الإسرائيلي؛ ما يخلق شريطًا عازلًا فعليًا بين الحدود ونطاق السيطرة السورية المُباشِرة.
- المنطقة الخضراء (منطقة حَظْر جوّي): تضم أجزاء واسعة من مُحافَظتَي درعا والسويداء، وتمتد نحو محيط دمشق وفقًا للخريطة. وفيها تُفرَض قيود على الطيران الحربي السوري؛ ما قد يَحِدّ من قدرة سورية على توظيف القّوة الجويّة في عمق الجنوب.
 
مضامين الاتفاق الأمني وتحدّياته
يَعكِس المُقتَرح الإسرائيلي مُحاوَلةً لفَرْض واقع سياسي وميداني جديد، بحيث تُصبح مساحات شاسعة من الجنوب السوري شبه مَعزولة عسكريًا عن سلطة سورية، وتحت رقابة مُباشِرة أو غير مُباشِرة من جانب "إسرائيل". وفَضلًا عن ذلك، يُكَرّس المُقتَرَح، في حال المُوافَقة عليه، النفوذ الإسرائيلي في مُحافَظات الجنوب السوري (درعا والقنيطرة والسويداء وأجزاء من ريف دمشق الجنوبي الغربي)؛ إذ تستطيع "إسرائيل"، بذريعة ضمان الاستقرار والأمن وضمان تطبيق الاتفاقيات، أن تَتَوَغّل عسكريًا متى شاءت في هذه المناطق. ويفتح الاتفاق مجالًا واسعًا للتدخّلات الإسرائيلية في شؤون سورية الداخلية، خاصّة في المناطق التي تكون فيها تجمّعات من أبناء الطائفة الدرزيّة، بحجّة حمايتهم، بما في ذلك مُحافَظَتا القنيطرة وريف دمشق، إضافة إلى السويداء. وفي مُقابِل ذلك، يحمل الطرح الإسرائيلي دَلالات عديدة ذات أبعاد خطِرة؛ إذ إنه يُقَوّض سيادة الدولة السورية على جنوب البلاد ويُهَدّد وحدة أراضيها، بتَعامُله ضمنيًا معها على أنها منطقة خارِجة جزئيًا عن سيطرة الدولة، يَجري إعادة تشكيل وضعها الأمني عبر التفاهم مع قوّة خارجية محتلّة، بدَلًا من استعادة الجولان والتفاوض على الترتيبات الأمنية فيه. ويُمثّل المُقتَرح الإسرائيلي كذلك إحراجًا واختبارًا للحكومة السورية المؤقّتة. فقبولها بمثل هذه الترتيبات يعني تقديم تنازلات سياديّة جسيمة في بداية عهدها؛ ما يُهَدّد شرعيتها داخليًا. وقد جاء المُقتَرح بعد وقت قصير من إعلان سورية والأردن والولايات المتحدة اتفاقًا مبدئيًا على خريطة طريق لتهدئة الأوضاع في السويداء واستيعاب مَطالِب أهلها. يُقَوّض التدخّل الإسرائيلي، على هذا النحو الأمني البديل، فُرصَة البناء على خريطة السويداء بوصفه خطوة أولى نحو تحقيق الاستقرار الداخلي؛ إذ يَدُلّ على انطباع مفاده أن الترتيبات الأمنيّة مع القوى الأجنبيّة تتقدّم على الحلول السياسيّة المطروحة في الداخل لضمان وحدة الشعب السوري؛ وهو ما يُضعِف صدقيّة الحكومة السورية، ويفتح مجالًا في المستقبل لتكرار نموذج المناطق المنزوعة السلاح، أو العازلة في أنحاء أخرى من البلاد؛ وهذا يعني تفكيكًا فعليًا لوحدة البلاد وتحويلها إلى مناطق نفوذ أمنيّة لقوى إقليمية ودولية، بدَلًا من الحفاظ على مبدأ الدولة ذات السيادة الكاملة، سواء كانت دولة مركزية أو اتحادية. أمّا ادّعاء المركزية، والتفريط في وحدة الشعب والأرض، فكلاهما البديل الأسوأ. وسيُشَجّع نجاح "إسرائيل" في انتزاع منطقة أمنيّة عازِلة في الجنوب السوري قوى إقليمية ودولية أخرى على المُطالَبة بترتيبات مُماثلة، ووضع قيود سيادية على الدولة السورية عبر الضغط العسكري في حالِ فَشل المفاوضات.
إنّ المُقتَرح الإسرائيلي، في حال التجاوب معه، سيَجعل الحكومة الانتقالية السورية في مُواجَهة تحدّيات سياسيّة وقانونيّة وأمنيّة كبرى، أهمّها غياب الشرعية الدستورية والتفويض الشعبي اللازم لإبرامه؛ ذلك أن أيّ اتفاق مع "إسرائيل" (خصوصًا إذا تَضَمّن ترتيبات تمسّ السيادة والأرض)، يتطلّب تفويضًا قانونيًا وسياسيًا، بما في ذلك التصديق من برلمان مُنتَخب، وهو أمرٌ غير مُتاح حاليًا. وبالنظَر إلى أن الحكومة الحالية تُعَدّ، بنصّ الإعلان الدستوري، نتاج مرحلة انتقاليّة، فإن هذا سيَجعل إبرامها اتفاقًا مثل هذا مَحَلّ جدَل قانوني كبير؛ وقد يَعُدّه البعض باطلًا دستوريًا، فضلًا عن إمكانيّة مواجَهته رفضًا من قطاعات واسعة من الشعب السوري، ما زالت تعتبر التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وتوقيع اتفاقات لا تحترم السيادة السورية معه، تجاوزًا للخطوط الحمراء الوطنية. وبحسب نتائج المؤشّر العربي، يرى 78 في المئة من السوريين أن "إسرائيل" هي الدولة الأكثر تهديدًا لأمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، ويرفض 74% منهم الاعتراف بإسرائيل، فيما يعارض 70% عقد اتفاق مع إسرائيل لا يتضمّن عودة الجولان. وفي حين يرى 88% من السوريين أن إسرائيل "تعمل على تهديد الأمن والاستقرار في سورية"، يعتقد 74% منهم أن إسرائيل "تقوم بالعمل على دعم بعض الفئات في المجتمع السوري من أجل تغذية النزاعات الانفصاليّة وتهديد وحدة التراب السوري"[10]. وهذه المؤشّرات قد تؤدّي إلى تعميق الانقسامات الداخلية. فتوقيع اتفاقات أمنيّة مع قوّة احتلال على عداء تاريخي مع الشعب السوري، وهي تشنّ حاليًا حرب إبادة في فلسطين، من دون تَوافق وطني شامل، قد يُحدِث شَرخًا بين مُكَوّنات المجتمع والقوى السياسية. ولا يُستَبعد ظهور مواقف مُعارِضة، بما في ذلك ضمن التحالف الحاكم من جانب قوى ترفض التفريط بسيادة البلاد. وإضافة إلى مُعارَضة شرائح واسعة من السوريين لأيّ اتفاق لا يضمن لسورية حقوقها في أرضها، يُعَدّ القبول بمنطقة مَنزوعة السلاح في الجنوب السوري سابقة خَطِرة تمس الحق القانوني للدولة السورية في السيادة على كامل أراضيها، وقَبولًا ضمنيًا بنفوذٍ إسرائيلي يستوجب ترتيبات خاصّة، بدَلًا من تأكيد حقّ سورية في استعادة الجولان المُحتَلّ وتعزيز قدراتها الدفاعية. إنّ أي اتفاق أمني مثل هذا ستَعُدُّه "إسرائيل" اعترافًا من جانب سورية بوضع أمني خاصّ للجنوب، وقد يُشَكّل خطوةً في اتجاه ترسيم حدود أمر واقع جديدة تفْصل تلك المنطقة عن الوطن الأم؛ فضلًا عن وجود "إسرائيل" العسكري المُباشِر على قمّة جبل الشيخ. وللاتفاق أيضًا مَخاطِر أمنيّة بعيدة الأمَد؛ فهو يُجَرّد جزءًا من الأراضي السورية من السلاح ويجعلها منطقة مكشوفة أمنيًا أمام توغّلات واعتداءات إسرائيلية في المستقبل. أخيرًا، إنّ القبول بمُقتَرح المنطقة العازِلة يَرهَن الجنوب لمُعادَلة غير مُتَكافئة سنواتٍ طويلة، ويُضعِف موقف سورية التفاوضي حيال الاحتلال في أيّ مُفاوَضات مُستَقبليّة لاستعادة الجولان المُحتَل.
خاتمة
يُشَكّل المُقتَرَح الإسرائيلي لمنطقة منزوعة السلاح في جنوب سورية تهديدًا ذا خطورة شديدة بالنسبة إلى وحدتها وسيادتها وأمنها على المدى البعيد؛ فهو يستغلّ الظرف الانتقالي الذي تعيشه البلاد، وضعف قدراتها العسكرية، وإمكاناتها الاقتصادية، وانقساماتها الداخلية، لفَرْضِ أمرٍ واقعٍ يخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي. إن القبول بهذا المُقتَرَح، من دون سنَد شعبي أو شرعيّة دستوريّة، من شأنه إلحاق ضرَر تاريخي بالموقف السوري في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. وقد أثبتَت التجارب التاريخية منذ اتفاقيّة كامب ديفيد (1978)، مرورًا بأوسلو (1993)، وصولًا إلى الاتفاقيّات الإبراهيمية (2020)، أن تقديم تنازلات أو إبرام اتفاقات سلام مُنفَردة مع "إسرائيل" لم يوقِف سياستها التوسعيّة وانتهاكاتها؛ بل منَحها هامشًا أوسع لترسيخ احتلالها وفرض الأمر الواقع. وفي ضوء ذلك، ينبغي أن تظلّ أي ترتيبات أمنيّة تُبرِمها سورية مع "إسرائيل" ضمن إطار اتفاق فصل القوّات لعام 1974، من دون تقديم اعتراف سياسي، ضمنيًّا كان أو صريحًا، بالنفوذ الإسرائيلي، مع الحفاظ على الموقف المبدئي الذي يضمن عدم تنازل سورية عن حقوقها تحت الضغط، والامتناع عن توقيع أيّ اتفاقيّة تمس أمن سورية وسيادتها على أرضها ووحدة ترابها؛ ومع ضرورة العودة إلى الشعب (عبر استفتاء)، أو التصديق عليها من جانب برلمان مُنتَخَب. فالمَسائل المصيريّة تَتجاوز صلاحيّات حكومة مؤقّتة جاءت في ظَرف استثنائي. وفضلًا عن ذلك، على الحكومة التزام الشفافيّة في التعامل مع هذه المسائل المصيريّة ومُصارَحة الشعب بالتحدّيات والخيارات المَطروحة، وإشراك النّخب الوطنية في نقاشها. وينبغي أيضًا، حَشد موقف شعبي وإقليمي وعربي رافض لأيّ مُحاوَلة إسرائيلية تستهدف فرض ترتيبات قسريّة في الجنوب السوري، وعدم إظهار الضعف في التعامل مع التحدّيات التي تفرضها "إسرائيل"؛ فكلّما لمَست "إسرائيل" ضعفًا من خصومها تمادَت في مُمارَساتها وسياساتها ضدّهم. ينبغي بدَلًا من ذلك، رغم الظروف الصعبة، إعادة ترتيب الأولويّات الدفاعية السورية، بحيث يجري تعزيز القدرات العسكرية بطرائق مَدروسة في الجنوب، لإفهام الجانب الإسرائيلي أن أيّ عدوان واسع أو تَوَغّل بريّ لن يكون بالأمر السهل. 
 
[1] "الشرع: قريبون جدًّا من التوصّل إلى اتفاق مع إسرائيل بوساطة أمريكية"، سورية نيوز، 20/9/2025، شوهِد في 21/9/2025، في: https://acr.ps/1L9BPvk
[2] "الخارجية السورية: اتفاقيّات أمنيّة مع إسرائيل قبل نهاية العام"، الجزيرة نت، 18/9/2025، شوهِد في 21/9/2025، في: https://acr.ps/1L9BPdS
[3] “UN Slams ‘Violation’ Of 1974 Syria Disengagement Deal as Israel Acts in Buffer Zone,” The Times of Israel, 10/12/2024, accessed on 21/9/2025, at: https://acr.ps/1L9BP8j
[4] “Trump Meets Syrian President, Urges him to Establish Ties with Israel,” Reuters, 14/5/2025, accessed on 21/9/2025, at: https://acr.ps/1L9BPj5
[5] “Syrian Foreign Minister Visits D.C. to Lobby for Lifting of Last Sanctions,” Axios, 17/9/2025, accessed on 21/9/2025, at: https://acr.ps/1L9BPNd
[6] “Syrian Israeli Meeting in London Discusses De-Escalation within Framework of 1974 Agreement,” The Jerusalem Post, 18/9/2025, accessed on 21/9/2025, at: https://acr.ps/1L9BPEA
[7] “Israel Presented Syria with Detailed Proposal for New Security Agreement – Report,” The Times of Israel, 17/9/2025, accessed on 21/9/2025, at: https://acr.ps/1L9BPNr
[8] “Scoop: Israel Presented Syria with Proposal for New Security Agreement,” Axios, 16/9/2025, accessed on 21/9/2025, at: https://acr.ps/1L9BPPS
[9] “Citing October 7, Katz says Israeli Troops Inside Syria Staying Put to Defend North,” The Times of Israel, 26/8/2025, accessed on 21/9/2025, at: https://acr.ps/1L9BPE1
[10] "المركز العربي يُعلِن نتائج استطلاع المؤشّر العربي في سورية"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 31/8/2025، شوهِد في 21/9/2025، في: https://acr.ps/1L9BPlp

2025-09-27 22:03:02 | 57 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية