التّسميات التوراتيّة لحروب "إسرائيل"
وعد بلفور لم يأتِ صدفة، إذ إن له مقدّمات دينية كذلك. فقد ظهَرت حركات مسيحية منذ القرن السادس عشر تدعو إلى "إعادة اليهود إلى البلاد المقدّسة"، وخصوصًا بعد طَرد المسلمين، ومعهم اليهود، من الأندلس...
سهيل كيوان
موقع عرب 48
7/9/2025
منذ تأسيس "دولة إسرائيل" عام 1948، حرصت المؤسّسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية على استخدام أسماء ذات طابع توراتي ديني لحروبها وحمَلاتها وعملياتها العسكرية؛ مثل عملية "نحشون" عام 1948، التي نُفّذَت في منطقة القدس، وتدمير قرى عربية وتهجير أهلها. ونحشون شخصية في قصّة الخروج التوراتيّة. أما عملية "قادش" عام 1956 واحتلال سيناء، فهي إشارة إلى منطقة ذُكِرَت في العهد القديم، استَراح فيها بنو إسرائيل خلال تيه سيناء قبل دخول أرض كنعان.
حروب غزّة؛ "الرصاص المصبوب" 2008 – 2009، "عمود السحاب" 2012، "الجرف الصامد" 2014، "حارس الأسوار" 2021، "السيوف الحديديّة" 2023، "مركبات جدعون" 2025، وغيرها الكثير من العمليات الصغيرة والكبيرة، كلّها مُستَوحاة من تسميات توراتيّة.
هذه التسميات أداة لإضفاء شرعية تاريخية ودينية على الصراع، وإخراجه من كونه صراعًا حديث المَننشأ منذ تأسيس الحركة الصهيونية وفكرة الاستيطان في فلسطين، وتلقّي وعد بلفور عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين. وعد بلفور لم يأتِ صدفة، إذ إنّ له مقدّمات دينية كذلك؛ فقد ظهَرت حركات مسيحية منذ القرن السادس عشر تدعو إلى "إعادة اليهود إلى البلاد المقدّسة"، وخصوصًا بعد طَرد المسلمين، ومعهم اليهود، من الأندلس.
الأسماء التوراتيّة تخلق شعورًا وتأكيدًا بأن جيش الاحتلال الحالي هو الامتداد التاريخي لبني إسرائيل التوراتيين؛ بمعنى أنه ليس جيش احتلال بل جيش تحرير ودفاع، بينما الجيوش الأخرى، أو التنظيمات والشعوب الأخرى في المنطقة، تعتدي عليه كونها ترفض التسليم له بهذا "الحق التاريخي". هذا يعني أنّه من الطبيعي جدًا تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وضمّ الضفة الغربية، ومُحاصَرة سكّانها في مساحات ضيّقة حتى تهجيرهم.
وفي هذا السياق، تُعتبَر "اتفاقات أبراهام" جزءًا من الرؤية التوراتية حول حُسن الجوار والتفاهم، مع التسليم بحق الشعب اليهودي بدولة إسرائيل الكبرى.
حتى تسمية عملية "أوريا" على عمليات هدم الأبنية في قطاع غزة بواسطة الجرّافات العملاقة. لماذا أوريا؟ أوريا الحثّي الذي ورَد ذكره في التوراة، مُحارِب مُرتَزق في جيش داوود؛ فهو غير يهودي، وحارَب لأجل المال والعطاءات. وكما يبدو أن سبب تسمية أوريا لوحدات الهدم هو وجودها في المَواقع الأخطر، كذلك لوجود مُقاوِلين وأصحاب عتاد للهدم يُرَجّح أن بعضهم من غير اليهود.
في المُقابِل، نجد أنّ حركة حماس اختارت تسميات توراتية – قرآنية، فتؤكّد الطابع الديني للصراع.
مُقابِل "مركبات جدعون"، أطلَقت "حماس" عملية "حجارة داوود"؛ وهو في القصّة التوراتيّة داوود الضعيف أو صغير السن أمام جالوت الجَبّار. وأطلقت تسمية "عصا موسى" في مُواجَهة "مركبات جدعون الثانية". وقصّة عصا موسى تُمَثّل النبي موسى الذي ألقى عصاه فابتلَعت أفاعي السّحَرَة أمام فرعون؛ وهي عصا الخلاص التي شَقّ بها البحر لقومه أثناء مُطارَدة الفراعنة لهم.
هنا تَعتبر "حماس" أنها الوريث الشرعي لتراث الأنبياء داوود وموسى؛ فهُما في الإسلام نَبِيّان مُقَدّسان. ولا يُمكِن أن يكون نتنياهو وغيره وريثًا لهذا التراث الذي يُمَثّل مُواجَهة الظلم.
كذلك أطلَقت تسميات قرآنية، مثل: "طَير أبابيل"، "طوفان الأقصى"، "معركة الفُرقان" 2008 – 2009، "حجارة السجّيل" 2012، و"العصف المأكول" 2014.
الدعم المسيحي للصهيونية
الأخطَر هو إيمان عشرات الملايين من المسيحيين بدعم الصهاينة كأمر ديني جاء في الكتاب المقدّس.
تعود جذور الفكرة إلى القرن السادس عشر في بريطانيا، حيث دعا رجل دين اسمه بريتمان إلى "إعادة اليهود إلى الأراضي المقدّسة تحقيقًا لنبوءات الكتاب المقدّس.
بريتمان ألّفَ كتابًا حول الموضوع عام 1615 بعنوان: "هل سيعودون إلى القدس مرّة أخرى؟". وهذه الفكرة تراوحت بين صعود وهبوط عبر ثلاثة قرون.
في عام 1930 تأسّست تنظيمات في الولايات المتحدة، أشهرها اللجنة الأميركية المسيحية لفلسطين. ACPC
يرى هؤلاء أن واجب أميركا الديني مُحارَبة أعداء إسرائيل. ومن هذه الزاوية يرون قرارات مثل تدمير العراق والدول العربية "أعداء إسرائيل". وهو اللوبي الرّائد في دعم إقامة دولة إسرائيل عام 1948.
عَزّز هذه الأفكار الغيبيّة انتصارات "إسرائيل" في حروبها. فقد رأوا في نصر "إسرائيل" في حرب 1967 مُعجِزة؛ وهذا شَجّع آخرين على الانضمام إلى هذه الرؤية اللاهوتيّة.
خلاصة
في المُحَصّلة، فإنّ الرؤية الدينية هي المُهَيمِنة على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ببُعدِه المحلّي والإقليمي والدولي. بعبارة أخرى، فهي ليست حربًا على حدود، بل على تحقيق حلم صهيوني بدولة من النيل إلى الفرات من خلال استخدام القناعات الدينيّة.
نتنياهو يرى أنه المبعوث الإلهي لهذه المهمّة، ويعمل على تطبيقها على قَدَم وساق، مُستَغلًا تشرذم العرب، ووجود رئيس أميركي داعم ومؤمن بها، ويحظى بدعم هذه المجموعات الدينيّة.
كذلك، فإن نظريّة "حماس" وحليفها "الجهاد الإسلامي"، تؤكّد من جانبها أن الصراع ديني، وأن الحرب هي على العقيدة، وتضع المسجد الأقصى في مركزها؛ وهو المكان الذي يَتَوَعّدون بهدمه لبناء الهيكل. وهذا يُعَقّد المسألة أكثر فأكثر، ويجعل فكرة الوصول إلى حلول سلميّة أكثر صعوبة وتعقيدًا؛ بل وحتى مُستحيلة.
2025-09-10 11:54:36 | 37 قراءة