"قوّة أوريا": من بناء مُستَوطنات الضفة إلى الهَدم في غزة!
• ياسر مناع
• المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة
• 1/9/2025
منذ اندلاع الحرب على غزة في أعقاب هجوم السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، برزَت في "إسرائيل" مُبادَرات وحركات اجتماعية متعدّدة، اتّخذت أشكالاً متنوّعة في أدوارها ووظائفها. فقد رأت بعض هذه المُبادَرات في ذاتها أدوات مُسانِدة وروافع حيويّة لدعم الجيش في حربه المستمرّة ضدّ القطاع، ولم تقتصر على الطابع العسكري البحت، إذ جَمعَت بين الجنود والمُستَوطنين، فيما عملت أخرى تحت مظلّة المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية بصورة مُباشرة، في حين اتّخذت بعض الحركات منحًى مُعارِضاً للسياسات الحكومية.
تتناول هذه المُساهَمة وحدة "قوّة أوريا"، إحدى المُبادَرات التي نشأت بعد السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 على أيدي عناصر احتياط في الجيش الإسرائيلي، وخُصّصَت لتنفيذ عمليات هدم وتدمير المَباني في قطاع غزة. ونُسَلّط الضوء على ظروف نشأتها ودوافع تأسيسها، فضلاً عن مُنطَلقاتها الأيديولوجية التي جعلتها ليست مجرّد وحدة عسكرية فقط؛ بل أداة من الأدوات التي تحمل أبعاداً سياسية ودينية واستيطانية مُتشابكة.
التدمير كغاية استراتيجيّة
نشَر مركز مدار في العدد (674) من مُلحَق "المشهد الإسرائيلي" مقالاً بعنوان: "خصخصة التدمير: دور المُقاوِلين المدنيين و'شبيبة التلال' في عمليات الهدم في غزة"، تناوَل فيه الدور المُتعاظِم لشركات المُقاوَلات المدنية التي يُوَظّفها الجيش الإسرائيلي في تنفيذ عمليات الهدم داخل قطاع غزة. ولا تُقَدَّم هذه العمليات بوَصفها نشاطاً ربحياً فحسب، بل يجري تأطيرها ضمن مشروع أوسع يُسوَّق باعتباره مهمّة وطنيّة ذات بُعد استيطاني. وقد اتّضح بشكل مُتَزايِد انخراط مجموعات شبيبة التلال في هذه العمليات من خلال دمجهم المباشر في فِرَق الهدم الميدانية.[1]
كما يَحصَل المُشَغّلون على مُقابِل مالي مُغرٍ يصل إلى 2500 شيكل لقاء هدم مَبانٍ حتى ثلاثة طوابق؛ ويصل إلى 5000 شيكل في حالة المباني الأعلى، ما يجعل من عملية التدمير تجارة تدرّ عشرات آلاف الشواكل شهرياً على الأفراد.
وفي افتتاحية العدد السابق (673) أُشيرَ بوضوح إلى أن "إسرائيل" تعتمد سياسة تدمير عمراني مُمَنهجة في غزة، تجعل من إمكانيّة العودة إليها مُستَقبلاً شبه مُستَحيلة. وتُظهِر صوَر الأقمار الصناعية أن نحو 70% من مَباني القطاع باتت غير صالحة للسكن، في حين يمتد الدمار ليُطاوِل البنية التحتيّة التعليمية والصحية والزراعية على حدٍ سواء. وتتقاطع هذه السياسات مع تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول تشجيع سكّان القطاع على الهجرة، بما يُحَوّل التدمير العمراني إلى أداة تنفيذية لخطّة تهجير قسري وتطهير عِرقي مُمَنهَج.[2]
"قوّة أوريا" من الضفة الغربية
الوحدة 2640، المعروفة باسم "قوّة أوريا"، وهي وحدة هندسية تابعة للجيش الإسرائيلي، تَتَكَوّن من خليط من جنود الاحتياط ومُستَوطنين. يُقَدَّر عدد عناصرها بنحو 100 مُشَغّل، ينتمي قسم كبير منهم إلى بؤر استيطانية ومُستَوطنات في الضفة الغربية. هؤلاء الأفراد يعملون في مناطق القتال غالباً من دون تدريب عسكري مُتَخَصّص، ويُرافَقون ميدانياً من قِبَل وحدات قتالية في الجيش النظامي أو قوّات الاحتياط، ما يُوَفّر لهم مظلّة تنفيذية لعمليات هدم واسعة النطاق في قطاع غزة.[3]
تعود نشأة هذه القوّة إلى أواخر العام 2024 على يد أوريا لَفرْبوم (Uriah Laverbum)، أحد مؤسّسي بؤرة سديه بوعز، وشخصية بارزة في التيار الاستيطاني. ارتبط اسمه بعدد من الأدوار القيادية داخل البنية التنظيمية لليمين الاستيطاني: ففي العام 2021 تولّى رئاسة مُنتَدى الاستيطان الشاب، وكان ناشطاً في صندوق غوش عتصيون؛ وفي العام 2022 قاد غرفة عمليات يوم الانتخابات لحزب "البيت اليهودي"؛ ثمّ في العام 2024 قادَ الطاقم المسؤول عن الترويج لحَملة "نتنياهو جيّد للعرب". خلال السنة الأخيرة، يقود لَفرْبوم مجموعة من الجرّافات الخاصّة التي تعمل ميدانياً إلى جانب قوّات المُشاة في الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة.
الهدف التأسيسي للوحدة
بعد مرور خمسة أشهر على اندلاع الحرب، وفي 19 آذار 2024، عقَدت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست جلسة بعنوان البناء الفلسطيني في المَحمِيّة التوافقيّة قرب غوش عتصيون. وخلال النقاش، أعلن لَفرْبوم أنّ بحوزته 116 جرّافة خاصّة يُمكِن حشدها فوراً لدعم الجيش الإسرائيلي في حال واجَه عجزاً مالياً.
وأكّد قائلاً: "أنا مُستَعد للتبرّع، أصدقائي. صفر مال. إذا كانت المشكلة في المعدّات الثقيلة أو في التشغيل أو في القوى العاملة، فنحن نُوَفّرها." وعلى الرّغم من أن خطابه آنذاك رَكّز أساساً على تكثيف عمليات هَدم المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية، فإن هذه الجرّافات المدنية، إلى جانب "قوّة أوريا"، جرى تسخيرها عملياً في ساحة القتال في قطاع غزة.
المُنطلَق الفكري للهَدم
في التاسع من تموز 2025 قُتِل الجندي أبراهام أزولاي من مستوطنة يتسهار، وهو أحد عناصر القوّة في قطاع غزة.[4] وخلال جنازته، قال والده عن الدافع الذي كان يُوَجّه ابنه للمُشارَكة في عمليات الهدم ضدّ الفلسطينيين: "كان يعتبر عمليات الهدم التي شارك فيها بمثابة انتقام لاغتصاب بنات إسرائيل بعد السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر؛ وكان يقول: أبي، نحن نهدم لهم البيوت حتى لا يعودوا إليها." كذلك، قَدّم أحد أصدقائه شهادة مُماثلة، بقوله: "في كلّ مرّة كنتَ تعود من أعمال الهدم في غزة كنتَ تقول: 200 عربي آخر لن يعود إلى غزة، 500 آخرون لن يعودوا، 1000 آخرون لن يعودوا".
وبعد أسبوع من مقتله، نَفّذ عناصر "قوّة أوريا" عملية هدم واسعة طاوَلت 409 مَبانٍ في قطاع غزة بدافع الانتقام. وعبّرت عن ذلك بقولها: "قوّة أوريا تهدي هذه المَباني لذكراه، ونُعِدّ الأرض للاستيطان اليهودي في منطقة غزة".
في السياق نفسه، تحرص الوحدة على إبراز أنشطتها من خلال نَشر تسجيلات توثق عمليات الهدم على منصّات التواصل. وتُظهِر هذه المَقاطع الآليّات الهندسية المدنية وهي تُدَمّر منازل في قطاع غزة تحت حماية الجيش الإسرائيلي. ومنذ ذلك الحين تكاثرت المواد المُصَوّرة والشهادات الميدانية التي تُثبِت اتّساع نطاق عمليات التدمير. ففي 23 نيسان 2025، على سبيل المثال، نُشِرَ تسجيل يُظهِر سائقي الجرّافات وهم يُصَرّحون بأنهم "لن يتوقّفوا للرّاحة"، لأن هدفهم هو "مَحو الشرّ من على وجه الأرض".[5]
لم يقتصر الأمر على الطابع العملياتي الانتقامي، بل اتّخذ أيضاً بُعداً لُغوياً. فقد صاغ بعض مُشَغّلي الجرّافات فعلاً جديداً في العبرية "زرڤيڤ"، والذي يعني تسوية غزة بالكامل كرسالة مُقَدّسة. وعند البحث في أصل الكلمة نرى أنه مُشتَقٌ من اسم الحاخام أبراهام زرڤيڤ، المُقيم في مُستوطنة بيت إيل، الذي دعا مراراً إلى "تسوية غزة بالأرض وتدميرها"، عدا عن مُشارَكته في عمليات الهدم.[6]
ووفقاً لصحيفة "بـشيفع" اليمينية، فقد أصبح زرڤيڤ في الأشهر الأخيرة مُرادِفاً لتدمير المَباني في قطاع غزة.[7] ويُنسَب الفضل في صياغة الفعل إلى يوتام زَمري، الإعلامي في قناة التلفزة 14 الإسرائيلية؛ ومن ثمّ ظهَر أيضاً مُلصَق ستيكر شعبي يحمل هذا التعبير. وكان المُستَوطنون في الضفة الغربية استخدَموا الكلمة في التحريض على قرية المغير شرق رام الله.
[1] ياسر مناع. " خصخصة التدمير: دور المُقاولين المدنيين و'شبيبة التلال' في عمليات الهدم في غزة"، المشهد الإسرائيلي – مدار، 28 تموز 2025. https://linksshortcut.com/bFFIx
[2] أنطوان شلحت. "هل ثمّة غاية قصوى من استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟"، المشهد الإسرائيلي – مدار، 21 تموز 2025. https://2h.ae/FxYg
[3] سيفان تهال، "جندي احتياط من يتسهار قُتِل في غزة. رفاقه في قوّة أوريا هدَموا 409 مَبانٍ تخليداً لذكراه"، همكوم هخي حام بجهنوم، 21 تموز 2025. https://www.ha-makom.co.il/1060092-2/
[4] موقع "همكوم" على منصّة الانستغرام، تمّت زيارة الصفحة في 24 تموز 2025، https://www.instagram.com/p/DMX4rk4IYHs/?utm_source=ig_web_button_share_sheet
[5] للمزيد أنظر/ي موقع كيكار هشبات، 20 أيّار 2025. https://www.kikar.co.il/security-news/swjuav
[6] روبيك روزنتال، "35 سؤالاً وما معنى زرڤيڤ"، 8 آب 2025. https://www.ruvik.co.il/%D7%94%D7%98%D7%95%D7%A8-%D7%94%D7%A9%D7%91%D7%95%D7%A2%D7%99/2025/8825.aspx
[7] عمِيحَاي شيلا، "هذه صرختي – لا تدخلوا إلى البيوت"، هكول هيهودي، 20 أيار 2025 https://linksshortcut.com/dSUoY