الصين تسعى لحشد الدّول ضدّ ترامب لكنّها تُقابَل بالحَذر
المصدر: نيويورك تايمز
ترجمة: عبد الحميد فحام
مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجيّة
18/4/2025
تَبذل القيادة العُليا في الصين، وعلى رأسها الرئيس شي جين بينغ Xi Jinping، جهوداً دبلوماسية مُكَثّفة لإقناع الدول بعدم الرّضوخ للضغوط التي تُمارسُها إدارة ترامب بشأن الرسوم الجمركيّة، ساعيةً لإظهار أن بكين لن تُعزَل في خضمّ الحرب التجارية.
ففي الأيّام الأخيرة، أجرى وزير التجارة الصيني اتّصالاً عَبْر تقنيّة الفيديو مع المُفَوّض التجاري الأعلى في الاتحاد الأوروبي لحَثّه على تعزيز التعاون. كما تَواصَل الدبلوماسيون الصينيون مع مسؤولين في طوكيو وسيول. وفي هذا السياق، زار الرئيس شي كلاً من فيتنام وماليزيا، حيث استُقبِل بحفاوة من قِبَل حشود جماهيرية تمّ تنظيمها بعِناية.
إن المَخاطِر بالنسبة للرئيس الصيني لا تَتمثّل فقط في تهديد مُستَقبَل النظام التجاري العالمي الذي ساهم في صعود بلاده كمركز صناعي عالمي، بل أيضاً في الحفاظ على أسواق تصدير رئيسية باتت مُهَدّدة بعد أن فرَضت الولايات المتحدة رسوماً مُرتَفِعة على السّلع الصينيّة.
هذا التحرّك يُعَدّ أيضاً اختباراً لمَكانة الصين كقوّة عالمية، في ظلّ ما تَعتبره بكين مُحاوَلة أمريكية لمُحاصَرتها واحتوائها. ورَدّت الصين على إجراءات ترامب بفرض رسوم مُضادّة على السّلع الأمريكية، إلى جانب قيود على تصدير مَعادن نادرة ضروريّة لتصنيع السيّارات والصواريخ والطائرات المُسَيّرة.
في هذا الإطار، يسعى شي إلى بناء تحالف دولي أوسع يقف في صَفّه، آمِلاً في ثَنْي الدول عن فرض رسومها الخاصّة على البضائع الصينية، أو الاستجابة للدّعوات الأمريكية لفكّ الارتباط مع سلاسل التوريد الصينيّة.
وأثناء جولته في جنوب شرق آسيا، قَدّم شي بلاده بوَصفها حامية للنظام العالمي، في مُقابِل الولايات المتحدة التي صَوّرها كلاعب غير موثوق. ففي العاصمة الفيتنامية هانوي، دعا شي فيتنام للوقوف مع الصين ضدّ "البلطَجة الأحاديّة التي تَنتهجها الولايات المتحدة"؛ وفي العاصمة الماليزية كوالالمبور، حَثَّ دول المنطقة على "رفض فكّ الارتباط، وتعطيل سلاسل الإمداد، واستغلال الرسوم الجمركية".
وفي هذا السياق، قالت لين كوك Lynn Kuok، الباحثة في مؤسّسة بروكينغز بواشنطن: "المسؤولون الصينيّون أبلَغوا بهدوء نُظَراءهم في جنوب شرق آسيا أنّ ما تفعله الولايات المتحدة مع حُلفائها التقليديين في أوروبا يُنبئ بما قد يحصل معهم؛ ولا حاجة لتأكيد إضافي في ظلّ الرسوم الواسعة التي فرَضها ترامب".
غير أن مُحاوَلات شي تصوير بلاده كمُدافِع عن التجارة الحرّة تتجاهل سنوات من السياسات الاقتصادية القسريّة التي اتّبعتها بكين، والدعم الحكوميّ السخيّ لقطاعات مُحَدّدة، ما تَسبّب في نفور شركاء تجاريين وجيران.
لذلك، فإن تَراجُع الثقة العالمية بواشنطن لم يؤدِّ بالضرورة إلى اصطفاف جديد خلف بكين، خاصّة في ظلّ الخوف من ردود فعل ترامب الانتقاميّة تجاه الدول التي تنحاز إلى الصين.
وقد رفض كلٌ من الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية مُحاوَلات بكين الإيحاء بأنها نجحت في كسبهم إلى صفّها في مُواجَهة الرسوم الأمريكية. ففي حين أعرَب الأوروبيون عن قلَقهم من إغراق السوق بالبضائع الصينية، رفضت أستراليا علَناً دعوة السفير الصيني لديها إلى "التكاتف" ضدّ إدارة ترامب.
وتعليقاً على ذلك، قالت روري دانيلز Rorry Daniels، المُديرة التنفيذية لمعهد السياسات الآسيوية في نيويورك: "بكين لا تملأ الفراغ الذي خَلّفته واشنطن من حيث الثقة، بل تُقَدّم مجرّد تخفيف مؤقّت للصدمة التي أحدَثها ترامب".
وتأتي زيارة شي المُقَرّرة سَلَفاً إلى فيتنام وماليزيا، ومن بعدها كمبوديا، في وقتٍ حسّاس، حيث يستغلّ ترامب فترة التهدئة المؤقّتة التي أعلَنها لمدّة 90 يوماً لتعزيز مُفاوَضات تجارية مع عدّة دول. وقد زادَ ترامب من وتيرة تدخُّله الشخصي في هذه المُفاوَضات، بما في ذلك مع وفد ياباني زارَ واشنطن مؤخّراً.
ويخشى المسؤولون في بكين من أن تؤدّي هذه الاتفاقات إلى عَزل الصين بشكل أكبر، سواء عَبْر رسوم مُنَسّقة، أو عَبْر إجراءات لوقف التحايل التجاري من خلال دولة ثالثة مثل فيتنام، أو عَبْر استهداف المواد الخام الصينية في السّلع المُصَدّرة إلى أمريكا.
وعلى الرّغم من الحَفاوة التي استُقبِل بها شي في هانوي، بما في ذلك استقباله من قِبَل الرئيس الفيتنامي شخصياً في المطار، فقد امتنَعت فيتنام عن تأييد تصريحات شي الأشدّ لَهجَة المتعلّقة بالحماية التجارية والردّ على الرسوم التي يفرضها ترامب، واكتفت ببيان مشترك غامض يُعارِض "الهيمَنة وسياسات القوّة"؛ وهي لغة يرى كثير من الفيتناميين أنها تَنطَبِق على الصين في نزاعاتها البحرية مع هانوي.
وبفعل التهديد الأمريكي بفرض رسوم تصل إلى 46% على صادراتها، أوفَدت فيتنام فِرَقاً من المُفاوضين إلى واشنطن سعياً للتوصّل إلى تسوية. وكمُبادَرة حُسن نيّة تجاه ترامب، تعهّدت الحكومة الفيتنامية هذا الأسبوع بمُكافحَة التحايل التجاري، في إشارة واضحة إلى إعادة تصدير بضائع صينيّة عَبْر أراضيها للتحايل على الرسوم الأمريكية.
ومع ذلك، واصَل ترامب الضغط على فيتنام، قائلاً للصحافيين إن لقاء شي مع الزعيم الفيتنامي تو لام To Lam " يُرَجّح أن يكون حول كيفيّة التلاعب بأمريكا"، على حدّ تعبيره.
وقال نغوين خاك جيانغ Nguyen Khac Giang، الباحث في معهد يوسف إسحاق بسنغافورة: "هانوي حَذِرة جداً من إرسال إشارات توحي بانحياز واضح إلى الصين، خصوصاً في ملفّات قد تُثير استياء إدارة ترامب"، مُضيفاً أن "فيتنام ما زالت تُناوِر بين قوّتين عظميين؛ لكن هامش المُناوَرة يَضيق يوماً بعد يوم مع تَصاعُد التوتُّرات الجيوسياسية".
وما يُعَقَّد موقف فيتنام أكثر هو الخشية من ردّ فعل صيني انتقامي إذا رأت بكين أنها تميل أكثر نحو واشنطن. فقد فَرَضَت الصين مؤخّراً رسوماً تصل إلى 100% على مُنتَجات كنديّة، كرسالة تحذير واضحة للدول التي تَتعاون مع الولايات المتحدة تجارياً.
وقال شين دينغلي Shen Dingli، أستاذ العلاقات الدولية في شنغهاي: "من وجهة نظر بكين، فإن أيّ دولة تَتَوَدّد إلى الولايات المتحدة تضرّ بمصالح الصين، وفي الوقت ذاته تضرّ بمَصالحها الوطنية".
وقد جاء التهديد الصيني صريحاً في مُدَوّنة تابعة للتلفزيون الرسمي الصيني، نُشِرَت الأحد، جاء فيها: "الصين لا تُعَلّق على مُحادَثات الدول الأخرى مع الولايات المتحدة؛ لكن إن استَخدَم أحَدهم مصالح الصين كورقة لإرضاء واشنطن، فلن تُوافِق بكين أبداً!".
هذا الخطاب يُظهِر كيف تمزج بكين بين جَذب الدول المُجاوِرة وتخويفها، بينما يسعى ترامب إلى إعادة صياغة مَكانة أمريكا في العالَم. فبينما كان شي يتحدّث عن "صداقة عميقة" مع فيتنام، كانت القوّات الصينيّة تُجري مُناوَرات عسكرية في خليج تونكين Tonkin لتأكيد مَطالِبها الإقليمية المُتَنازَع عليها مع هانوي.
حتى لو فَشلت الصين في بناء جبهة مُوَحّدة ضدّ رسوم إدارة ترامب الجمركيّة، فإنها ستَستفيد من جعل الدول الأخرى تُعيد النظر في مُواءَمة سياساتها التجارية مع الولايات المتحدة، كما يقول جوناثان كزين Jonathan Czin، الباحث في معهد بروكينغز، والذي عمِل سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية ويَدرُس السياسة الصينية. وأضاف كزين: "لا يحتاج شي بالضرورة إلى أن تختار هذه الدول بكين؛ بل كلّ ما يَحتاجه هو مَنعها من اختيار واشنطن؛ وهذا أحد أسباب افتقار "حملة الصين السّاحِرة" إلى الجاذبيّة حتى الآن".
2025-09-08 11:04:27 | 34 قراءة