كيف ترى "إسرائيل" علاقات طهران مع روسيا والصين في أعقاب الحرب الإسرائيلية- الأميركية على إيران؟
كيف ترى "إسرائيل" علاقات طهران مع روسيا والصين في أعقاب الحرب الإسرائيلية- الأميركية على إيران؟
عبد القادر بدوي
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة
01 سبتمبر 2025
تُشَكّل العلاقات الإيرانية - الروسية - الصينية قلَقاً كبيراً بالنسبة إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة. ويبدو أن هذا القلَق تعزّز أكثر فأكثر في أعقاب الحرب الأخيرة التي خاضتها "إسرائيل" والولايات المتحدة ضدّ إيران، وذلك على الرّغم من أن هذه الحرب أظهَرت حدود الشراكة الاستراتيجيّة التي سَعَت طهران إلى ترسيخها مع موسكو وبكين خلال العقد الأخير، حيث اكتفَت كلٌ من روسيا والصين بإدانة شكليّة للهجمات على إيران، من دون تقديم دعم عملي مَلموس وواضح؛ وهو الأمر الذي أثار استياء أوساط إيرانية براغماتيّة اعتبَرت ذلك مؤشّراً على هشاشة سياسة "النَّظَر شرقاً" التي تبنّتها القيادة الإيرانية في مُواجهَة العزلة الغربية. ومع ذلك، ما تزال تنظر "إسرائيل" إلى هذه الشراكة - رغم محدوديّتها - بوصفها تهديداً استراتيجياً مُزدَوجاً: من جهة، قد تُمَكّن إيران من إعادة بناء قدراتها العسكرية والتقنيّة في مجالات حسّاسة، مثل البرنامج النووي، الصواريخ الباليستية، والدفاع الجوّي. ومن جهة أخرى، ستستمر في منح طهران دعماً سياسياً واقتصادياً يَحول دون نجاح الضغوط الغربية في عزلها أو في تقويض نفوذها الإقليمي.
هذه المُساهَمة هي قراءة في تقرير إسرائيلي مُوَسّع، يتناول التصوّر الإسرائيلي لهذه الشراكة، وإمكانيّات العمل على الإضرار بها، وضمان تحقيق "المصالح الإسرائيلية" الرامية لتحويل "إنجازات الحرب العملياتيّة" الأخيرة إلى إنجازات استراتيجيّة على المدى الطويل. أعَدّ التقرير كلٌ من راز تسيمت وداني سيترينوفيتش لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب. جديرٌ بالذّكر هنا أن الأفكار والمُصطَلحات الواردة أدناه مصدرها التقرير نفسه، ولا تُعَبّر بأيّ شكل عن مركز مدار أو مُعِدّ المُساهَمة.
يُشير التقرير في البداية إلى أن سلوك موسكو وبكين، اللتين اكتفَتا بإدانة ضعيفة نسبياً للهجَمات الإسرائيلية والأميركية على إيران خلال حرب الـ 12 يوماً عليها في حزيران الماضي، أثار مَظاهِر انتقاد وخيبة أمل في طهران؛ كما عَزّز التقديرات في إيران بأن قدرتها على الاعتماد على روسيا والصين ما تزال محدودة وغير نهائية، وخاصّة في سيناريو مواجهة عسكرية مع "إسرائيل" والولايات المتحدة. لكن رغم ذلك، يبدو أنه ليس لدى إيران في الوقت الحالي بديل عن استمرار شراكتها السياسية والاقتصادية والأمنية (مهما كانت محدودة) مع روسيا والصين، خصوصاً في ظلّ التصعيد في العلاقات بين طهران والدول الأوروبية. كذلك، فإن روسيا والصين، اللتين تنظران إلى إيران كحليف ثانوي في الائتلاف المُناهِض للغرب والولايات المتحدة، لا تَملكان في هذه المرحلة بديلاً حقيقياً عن الشراكة مع طهران، ومن المُتَوَقّع أن تستمرا فيها طالما أنها تخدم مصالحهما.
يؤكّد التقرير أن الشراكة الإيرانية- الروسية- الصينية التي تعمّقت وتوسّعت خلال السنوات الأخيرة على خلفيّة التطوّرات العالمية، وفي مقدّمتها الحرب في أوكرانيا والتوتّر المُتصاعِد بين الصين والولايات المتحدة، وُضِعَت على المحك خلال الحرب الإسرائيلية- الأميركية على إيران. لذلك، سُمِعَت في أعقاب الحرب انتقادات لاذعة داخل إيران، خاصّة من الأوساط البراغماتية، تجاه روسيا، وبدرجة أقلّ تجاه الصين، بسبب امتناعهما عن تقديم الدعم لإيران خلال الحرب واكتفائهما بإدانة الهجَمات الإسرائيلية والأميركية، ويأتي ذلك بشكلٍ خاص في ضوء الدعم العسكري الإيراني الكبير لروسيا منذ غزوها أوكرانيا في شباط 2022.
يُشير التقرير إلى أن هذه الانتقادات ليست يَتيمة، بل هي استمرار للادّعاءات التي طُرِحت في الماضي من قِبَل الأوساط الإيرانية نفسها، والتي نادَت بضرورة تجنّب الاعتماد المُطلَق على روسيا والصين ضمن سياسة "النّظَر شرقاً" التي تبنّتها القيادة الإيرانية خلال السنوات الماضية، وذلك بالاستناد إلى إدراك أن هذه الدول تعمل وفقاً لمصالح مُختلفة، بما في ذلك علاقاتها مع الولايات المتحدة، وأنها لن تَتردّد في التضحية بإيران لصالح دفع مصالح استراتيجيّة مهمّة، مثل تحسين العلاقات مع واشنطن. من ناحية أخرى، فإن التّوَتّر بين طهران وموسكو لا يرتبط فقط بالحرب الأخيرة على إيران، بل أيضاً بتطوّرات أخرى، منها خلافات حول المتغيّرات في سورية، وفي مُقَدّمتها الحوار الرسمي بين روسيا ونظام الشرع والجهود لتحسين العلاقات بين روسيا وسورية؛ وكذلك التطوّرات في جنوب القوقاز، ومن بينها الاتفاق المُتَبَلوِر بين أذربيجان وأرمينيا.
في المُقابِل، تجنّبت الأوساط المُرتبِطة بالجناح المُحافِظ والراديكالي في القيادة الإيرانية إبداء انتقاد مُماثِل، وأبْدَت تفهّماً لسلوك روسيا والصين. فعلى سبيل المثال، صَرّح مُساعِد الشؤون السياسية في الحرس الثوري، يد الله جواني، بأن إيران لم تطلب مساعدة من روسيا أو من الصين خلال الحرب، وأكّد أن اتفاق التعاون العسكري بين طهران وموسكو لا يعني التزاماً روسياً بالدخول إلى الحرب إلى جانب إيران. ومع ذلك، يؤكّد التقرير أن القيادة الإيرانية تُدرِك جيّداً أنه ليس لدى الجمهورية الإسلامية بديل سياسي أو عسكري أو اقتصادي عن روسيا والصين، خاصّة في ظلّ تدهور العلاقات مع الدول الأوروبية والتوجّه لتفعيل "آلية الزناد" (snapback) لإعادة فرض العقوبات على إيران من جانب دول: ألمانيا، بريطانيا، وفرنسا. وعلى الرّغم من خيبة الأمل في طهران من سلوك روسيا، إلّا أن استمرار التعاون بين الدولتين، يتجلّى مثَلاً في زيارات مُستشار المُرشِد الإيراني وأمين المجلس الأعلى الجديد للأمن القومي، علي لاريجاني، ووزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير زاده، إلى موسكو، خلال تمّوز 2025؛ وكذلك في المُناوَرة البحرية المُشتَركة بين الدولتين في بحر قزوين، التي جرَت أيضاً خلال شهر تمّوز. يُضاف إلى ذلك التسريبات التي أورَدتها عدّة تقارير (لم يتم تأكيدها في هذه المرحلة) حول نيّة روسيا تزويد إيران بمنظومة الدفاع الجوي المتقدّمة من طراز ، S-400 ونيّة الصين تزويد إيران بطائرات متطوّرة من طراز J-10 أ ، أثبتَت نفسها مؤخّراً في المعركة بين الهند وباكستان.
في ما يتعلّق بالعلاقات الإيرانية- الصينية، يؤكّد التقرير أن التبعيّة الإيرانية ما تزال قائمة في تصدير النفط إلى الصين، رغم مُحاولات إدارة ترامب فرض العقوبات على صادرات النفط الإيرانية. ويُشار إلى أنه رغم اتفاق التعاون لمدّة 25 عاماً، الذي وُقّع بين طهران وبكين في آذار 2021، فإن الشراكة بين الدولتين ما تزال محدودة جداً، ولا توفّر الصين حلولاً لمعظم مشاكل إيران الاقتصادية، بما في ذلك الحاجة إلى استثمارات في البنى التحتيّة. أما على الصعيد السياسي، فيَبدو أن الصين وروسيا تُواصِلان منح إيران سنداً استراتيجياً، خصوصاً من خلال دعمهما لها في المؤسّسات الدولية، مثل مجلس الأمن. وحتى لو لم تستطيعا منع تفعيل آليّة "سناباك" من قِبَل الدول الأوروبية الثلاث، فهُما ما تزالان تُشَكّلان عقبة أمام جهود الولايات المتحدة والغرب لزيادة الضغط على طهران وتشديد عزلتها على الصعيد الدولي.
وحول العلاقات الإيرانية- الروسية، يؤكّد التقرير أن موسكو أيضاً ما تزال معنيّة بالحفاظ على علاقاتها مع إيران، خصوصاً في ضوء حقيقة أن طهران تُشَكّل في نظَرها عنصراً مهماً في الشراكة المُناهِضة للغرب، التي تشمل أيضاً الصين وكوريا الشمالية. ومن المُتَوَقّع أن تُواصِل روسيا دعم إيران سياسياً واقتصادياً، وربما حتى عسكرياً، طالما أن هذا الدعم لا يُهَدّد بالإضرار بالجهد الحربي الروسي في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن تقليص اعتماد روسيا على الطائرات المُسَيّرة الإيرانية (في ظلّ تزايد الإنتاج المحلّي للطائرات المُسَيّرة في روسيا نفسها)، يُقَلّل من الضغط الروسي لتقديم الدعم للقيادة الإيرانية. وبحسب التقرير، فإن منظومة العلاقات بين الدولتين، التي اتّسمت منذ غزو روسيا لأوكرانيا بدرجة أكبر من التوازن بسبب الدعم الإيراني لموسكو، تعود لتتّسم من جديد بـ "اللا- تَماثل"؛ أي بتبعيّة إيرانية مُتزايِدة لروسيا مُقارَنةً بالتبعيّة الروسية لإيران والاعتماد عليها.
يؤكّد التقرير أن روسيا فوجئت كثيراً من الضربة الافتتاحية الإسرائيلية ضدّ إيران، ومن انضمام الولايات المتحدة للحرب، وكذلك من "الإنجازات العملياتيّة المهمّة" لإسرائيل والولايات المتحدة ضدّ إيران. وقد دارَت خلال الحرب نقاشات في موسكو بين الأوساط القومية المتطرّفة، التي دعَت إلى زيادة الدعم لإيران، وبين المؤيّدين لاتباع نَهج مُحايد. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن روسيا ما تزال تُبَلوِر موقفها، وتنوي بكلّ الأحوال الحفاظ على العلاقات مع طهران، ومع "إسرائيل" أيضاً، حيث ما يزال الرئيس فلاديمير بوتين يُجري بنفسه حواراً مُباشراً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بما في ذلك حول الملف الإيراني، وذلك إلى جانب الموقف الرسمي لروسيا الذي ما يزال يرفض تطوير سلاح نووي بيَد إيران.
من ناحية الصين أيضاً، يؤكّد التقرير أن الأخيرة فوجئت سَلباً من القدرات التي أظهَرتها إيران في الحرب، بما في ذلك حدود قدرتها على تجنيد وكلائها الإقليميين لصالحها. إضافة إلى ذلك، أبْدَت بكين قلَقاً كبيراً من تهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز، إذ إن تنفيذها كان من شأنه أن ينعكس سلباً على الاقتصاد الصيني؛ وكذلك أثارَ احتمال زعزعة الاستقرار الداخلي في طهران قلَقاً كبيراً في بكين، لأن تغيير النظام في إيران قد يُعَرّض الاتفاقات بين الدولتين للخطَر، وربما - في سيناريو مُتَطَرّف - يؤدّي حتى إلى تفكّك إيران، والتسبّب بفوضى قد تنعكس أيضاً على حدود الصين. في المُقابِل، تشعر الصين أيضاً بقلَق إضافي يتمثّل في إمكانية تحوّل "إسرائيل" إلى قوّة إقليمية مُهَيمِنة مُنفَلتة العِقال. لذلك، يُشير التقرير إلى أنه وفي ظلّ ضعف إيران في المُواجَهة الأخيرة، فَضّلت الصين تبنّي موقف مُحايِد نسبياً في الحرب، وحرصت على عدم التدخّل فيها، الأمر الذي أثار استياء طهران. وعلى الرغم من ذلك، فإن بكين، وعلى غرار موسكو، تُبدي اهتماماً بالحفاظ على علاقات قويّة مع إيران في إطار الائتلاف المُناهِض للهيمَنة الأميركية في الشرق الأوسط. ورغم ذلك، يبقى من المشكوك فيه لجوء بكين لتزويد إيران بأنظمة أسلحة ودفاع جوّي صينية في المرحلة الحالية، وذلك لأسباب عديدة، من بينها خوف الصين من اختبار أنظمتها وكشفها من قِبَل الأنظمة العسكرية الإسرائيلية - الأميركية في حال تجدّدت الحرب مرّة أخرى. لكن هذا الأمر لا يُمكن استبعاده على المدى الطويل.
توصيات لسياسة "إسرائيل"
إن الهدف المركزي لإسرائيل هو الرغبة بتقليص المَخاطِر من الدعم الروسي- الصيني لإيران، الأمر الذي قد يُمَكّن الأخيرة من إعادة ترميم وبناء قدراتها العسكرية، وخاصّة في مجالات: النووي، الصواريخ الباليستيّة، وسلاح الجو والدفاع الجوّي.
كما أن "إسرائيل" معنيّة بأن يتم الاستفادة من التأثير الروسي والصيني على إيران بهدف دَفعها للتسوية السياسية والتخلّي عن برنامجها النووي (كلٌ من الصين وروسيا تُعارِض امتلاك إيران سلاحاً نووياً). وتُشكّل هذه الأهداف غاية عليا بالنسبة لإسرائيل، حيث سيَسمح تحقّقها بترجمة "الإنجازات العملياتيّة" في الحرب الأخيرة إلى "إنجاز" استراتيجي سياسي طويل الأمَد، من شأنه حرمان إيران من أي قدرة على تطوير سلاح نووي (إمّا بالتسوية السياسية أو بالقوّة).
في المُقابِل، يؤكّد التقرير أنه يجب على "إسرائيل" أن تُدرِك حقيقة أنه لا يُمكِن دقّ إسفين بين إيران وموسكو وبكين في الوقت الحالي. لذلك يجب على "إسرائيل" مُواصَلة الحوار مع الصين وروسيا (بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة) بهدف تقليص المَخاطِر الكامنة في استمرار التعاون الثلاثي: إيران - روسيا - الصين، خاصّة في ظلّ احتمال تزويد إيران بمنظومات أسلحة ودفاع جوّي مُتَطَوّرة خلال الفترة المُقبِلة، وهو الأمر الذي يجب على "إسرائيل" توضيح مُعارَضتها الحازمة له، وإبداء عزمها على العمل ضدّ أيّ منظومة أسلحة قد تُهَدّد أمنها.